فإن قلت : كيف اتصل قوله : " وللأخرة خير لك من الأولى " بما قبله ؟ قلت : لما كان في ضمن نفي التوديع والقلي : أن الله مواصلك بالوحي إليك وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجل منه : أخبره ان حاله في الآخرةأعظم من ذلك وأجل وهو السبق والتقدم على جميع أنبياء الله ورسله وشهادة أمته على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين إعلاء مراتبها بشفاعته وغير ذلك من الكرامات السنية " ولسوف يعطيك ربك فترضى " موعد شامل لما أعطاه الله في الدنيا من الفلج والظفر بأعدائه يوم بدر ويم فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا والغلبة على قريظة ولنضير وإجلائهم وبث عساكره وسارياه في بلاد العرب وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن وهدم بأيديهم من ممالكالجبابرة وأنهيهم من كنوز الأكاسرة وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشو الدعوة واتيلاء المسلمين ولما ادخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله . قال ابن عباس Bهما : له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك . فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على سوف ؟ قلت : هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف . تقديره : ولأنت سوف يعطيك كما ذكرنا في : لا أقسم أن المعنى : لأنا أقسم ؛ وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء فلام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التاكيد فبقي أن تكون لام ابتداء ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بد من تقدير مبتإ وخبر وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك . فإن قلت : ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد واالتأخير ؟ قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تاخر لما في التأخير من المصلحة .
" ألم يجدك يتيما فءاوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى " عدد عليه نعمه وأياديه وانه لم يخله منها من أول تربيه وابتداء نشءه ترشيحا لما أراد به ؛ ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير والكرامة : ولا يضيق صدره ولا يقل صبره . و " ألم يجدك " من الوجود الذي يمعنى العلم : والمنصوبان مفعولا وجد . والمعنى : ألم تكن يتيما وذلك أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين فكلفه عمه أبو طالب وعطفه الله عليه فأحسن تربيته . ومن بدع التفاسير : أنه من قولهم : درة يتيمة وأن المعنى : ألم يجدك واحدا في قريش عدلم النظير فآواك . وقرئ : فآوى وهو على معنيين : إما من اواه بمعنى آواه . سمع بعض الرعاة يقول : أين آوي هذه الموقسه وإما من أوى له : إذا رحمه " ضالا " معناه الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع كقوله : " ماكنت تدري ما الكتاب " الشورى : 52 . وقيل : ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أو جهل إلى عبد المطلب . وقيل : أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب . وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب فهداك : فعرفك القرآن والشرائع . أو فأزال ضلالك عن جدك وعمك . ومن قال : كان على أمر قومه أربعين سنة فإن أراد أنه كان على خلوهم عن العلوم السمعية فنعم ؛ وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم فمعاذ الله ؛ والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة فما بال الكفر والجهل بالصانع " ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء " يوسف : 38 وكفى بالنبي نقيصة عند الكفار ان يسبق له كفر " علائلا " فقيرا ز وقرئ : عيلا كما قرئ : سيحات . وعديما " فأغنى " فأغناك بمال خديجة . أو بما أفاء عليك من الغنائم . قال E : جعل رزقي تحت ظل رمحي وقيل : قنعك وأغنى قلبك " فاما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهرن وأما بنعمة ربك فحدث " " فلا تقهر " فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه . وفي قراءة ابن سمعود : فلا تكهر وهو أن يعبس في وجهه . وفلان ذو كهرورة : عابس الوجه . ومنه الحيدث : فبأبي وأمي هو ما كهرني . النهر ن والنهم : الزجر . وعن النبي A :