وقرأ ابن عباس : أألهاكم ؟ على الاستفهام الذي معناه التقرير كلا ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه سوف تعلمون إنذار ليخافوا فيتنبهوا من غفلتهم . والتكرير : تأكيد للردع والإنذار عليهم . وثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول وأشد كما تقول للمنصوح : أقول لك ثم أقول لك : لا تفعل والمعنى : سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله وإن هذا التنبيه نصيحة لكم ورحمة عليكم . ثم كرر التنبيه أيضا وقال : لو تعلمون محذوف الجواب يعني : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعلمها هممكم : لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ؛ ولكنكم ضلال جهلة ؛ ثم قال : " ترون الجحيم " فبين لهم ما أنذرهم منه وأوعدهم به ؛ وقد مر ما في إيضاح الشيء بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه وهو جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد وأن ما أوعدوا به ما لا مدخل فيه للريب ؛ وكرره معطوفا بثم تغليظا في التهديد وزيادة في التهويل . وقرئ : لترؤن بالهمز وهي مستكرهة . فإن قلت : لم استكرهت والواو المضمومة قلبها همزة قياس مطرد ؟ قلت : ذاك في الواو التي ضمتها لازمة وهذا عارضة لالتقاء الساكنين . وقرئ : لترون ولتروها : على البناء للمفعول " عين اليقين " أي : الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته . ويجوز أن يراد بالرؤية : العلم والإبصار " عن النعمي " عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه . فإن قلت : ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه ؟ فما من أحد إلا وله نعيم ؟ قلت : هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل نفسه مشاقهما ؛ فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده وتقوى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل وكان ناهضا بالشكر : فهو من ذاك بمعزل ؛ وإليه أشار رسول الله A فيما يروى : أنه أكل هو وأصحابه تمرا وشربوا عليه ماء فقال : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " .
عن رسول الله A : " من قرأ ألهاكم التكاثر لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية " .
سورة العصر .
مكية وآياتها ثلاث .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله تعالى : " والصلاة الوسطى " صلاة العصر في مصحف حفصة . وقوله E : " من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله " ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم . أو أقسم بالعيش كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعا من دلائل القدرة . أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب . والإنسان : للجنس . والخسر : الخسران كما قيل : الكفر في الكفران . والمعنى : أن الناس في خسران من تجارتهم إلا الصالحين وحدهم لأنهم فوقعوا في الخسارة والشقاوة " وتواصوا بالحق " بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وهو الخير كله : من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة " وتواصوا بالصبر " عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى ما يبلو الله به عباده .
عن رسول الله A : " من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر " .
سورة الهمزة .
مكية وآياتها تسع .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة " الهمز : الكسر كالهرم . واللمز : الطعن . يقال : لمزه لهزه طعنه والمراد : الكسر من أعراض الناس والغض منهم واغتيابهم ؛ والطعن فيهم وبناء فعلة يدل على أن ذلك عادة منه قد ضرى بها . ونحوهما : اللعنة والضحكة . قال : .
وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة