وقرأ ابن مسعود أرأيتك بزيادة حرف الخطاب كقوله : " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " الإسراء 62 والمعنى : هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو ؟ إن لم تعرفه فذلك الذي يكذب بالجزاء هو الذي يدع اليتيم أي : يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى ويرده ردا قبيحا بزجر وخشونة . وقرئ : يدع أي : يترك ويجفو . ولا يحض ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف يعني : أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخشي الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك فحين أقدم عليه : علم أنه مكذب فما أشده من كلام وما أخوفه من مقام . وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين ثم وصل به قوله فويل للمصلين كأنه قال : فإذا كان الأمر كذلك فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها حتى تفوتهم أو يخرج وقتها أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله A والسلف ولكن ينقرونها نقرا من غير خشوع وإخبات ولا اجتناب لما يكره فيها : من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف ولا ما قرأ من السور وكما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم . والمعنى : أن هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة - التي هي عماد الدين والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام - علما على أنهم مكذبون بالدين . وكم ترى من المتسمين بالإسلام بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة فيا مصيبتاه . وطريقة أخرى : أن يكون فذلك عطفا على الذي يكذب إما عطف ذات على ذات أو صفة على صفة ويكون جواب أرءيت محذوفا لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل : أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ؟ وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ؟ أنعم ما يصنع ؟ ثم قال : فويل للمصلين أي : إذا علم أنه مسيء فويل للمصلين على معنى : فويل لهم إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم . فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائما مقام ضمير الذي يكذب وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع لأن المراد به الجنس . فإن قلت : أي فرق بين قوله : عن صلاتهم وبين قولك : في صلاتهم ؟ قلت : معنى : عن : أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفاوت إليها ؛ وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين . ومعنى في : أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم .
وكان رسول الله A يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره ؛ ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم . وعن أنس Bه : الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم . وقرأ ابن مسعود : لاهون فإن قلت : ما معنى المراآة قلت : هي مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يرى الناس علمه وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله E : " ولا غمة في فراض الله " لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ؛ ولأن تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إماطة التهمة بالإظهار ؛ وإن كان تطوعا فحقه أن يخفي لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ؛ فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جملا وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثني عليه بالصلاح . وعن بعضهم : أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك ؛ وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة ؛ على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص . ومن ثم قال رسول الله A : " الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود " . الماعون الزكاة قال الراعي : .
قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا .
وعن ابن مسعود : ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها . وعن عائشة الماء والنار والملح ؛ وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعرت عن اضطرار وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة