ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات أسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القران فالفقيه وان برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام والمتكلم وان بز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وان كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وان كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وان كان أنحى من سيبويه واللغوي وان علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما اونة وتعب في التنقير عنهما أزمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانا ورجع إليه ورد ورد عليه فارسا في علم الإعراب مقدما في حملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس دراكا للمحة وان لطف شأنها منتبها على الرمزة وان خفى مكانها لا كزاجاسيا ولا غليظا جافيا متصرفا ذا درايه بأساليب النظم والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكرة قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضه ومزالقه .
ولقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية كلما رجعوا إلي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقأ إلى مصنف يضم أطرافا من ذلك حتى اجتمعوا إلي مقترحين أن أملى عليهم الكشف عن حائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل فاستعفيت فأبوا إلا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حداني على الاستعفاء على علمي أنهم طلبوا ما الإجابة إليه علي واجبة لأن الخوض فيه كفرض العين ما أرى عليه الزمان من رثاثة أحواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن أدنى عدد هذا العلم فضلا أن تترقى إلى الكلام المؤسس على علمي المعاني والبيان فأمليت عليهم مسألة في الفواتح وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هفا العلم وأن يكون لهم منارا ينتحونه ومثالا يحتذونه فلما صمم العزم على معاودة جوار الله والإناخة بحرم الله فتوجهت تلقاء مكة وجدت في مجتازي بكل بلد من فيه مسكة من أهلها وقليل ما هم عطشى الأكباد إلى العثور على ذلك المملى . متطلعين إلى إيناسه حراصا على اقتباسه فهز ما رأيت من عطفى وحرك الساكن من نشاطي فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية من الدوحة الحسنية : الأمير الشريف الإمام شرف آل رسول الله أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس أدام الله مجده وهو النكتة والشامة في بني الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم أعطش الناس كبدا وألهبهم حشى وأوفاهم رغبة حتى ذكر أنه كان يحدث نفسه في مدة غيبتي عن الحجاز مع تزاحم ما هو فيه من المشادة بقطع الفيافي وطي المهامة والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل إلى إصابة هذا الغرض فقلت قد ضاقت على المستعفى الحيل وعيت به العلل ورأيتني قد أخذت مني السن وتقعقع الشن وناهزت العشر التي سمتها العرب دقاقة الرقاب . فأخذت في طريقة أخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد والفحص عن السرائر ووفق الله وسدده ففرغ منه في مقدار مدة خلافة أبي بكر الصديق Bه وكان يقدر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة وما هي إلا آية من آيات هذا البيت المحرم وبركة أفيضت علي من بركات هذا الحرم المعظم أسأل الله أن يجعل ما تعبت فيه منه سببا ينجيني ونورا لي على الصراط يسعى بين يدي وبيميني ونعم المسؤول .
سورة فاتحة الكتاب .
مكية . وقيل : مكية ومدنية .
لأنها نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى