أن أم سلمة قالت : يا رسول الله إني أسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء . فنزلت " فالذين هاجروا " تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم كأنه قال : فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم من دار الفتنة واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤا بما سامهم المشركون من الخسف " وأوذوا في سبيلي " من أجله وبسببه يريد سبيل الدين " وقاتلوا وقتلوا " وغزوا المشركين واستشهدوا . وقرئ : وقتلوا بالتشديد . وقتلوا وقاتلوا - على التقديم - بالتخفيف والتشديد وقتلوا وقتلوا على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول . وقتلوا وقاتلوا على بنائهما للفاعل " ثوابا " في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويبا " من عند الله " لأن قوله : " لأكفرن عنهم... . ولأدخلنهم " في معنى لأثيبنهم . " وعنده " مثل : أن يختص به وبقدرته وفضله لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه كما يقول الرجل : عندي ما تريد يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته . وهذا تعليم من الله كيف يدعي وكيف يبتهل إليه ويتضرع . وتكرير " ربنا " من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة من احتمال المشاق في دين الله والصبر على صعوبة تكاليفه وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه بالعمل بالجهل والغباوة . وروي عن جعفر الصادق Bه : من حزبه أمر فقال خمس مرات " ربنا " أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية . وعن الحسن : حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات " ربنا " ثم أخبر أنه استجاب لهم إلا أنه اتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به فلابد من تقديمه بين يدي الدعاء .
" لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " " لا يغرنك " الخطاب لرسول الله A أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض وتصرفهم في البلاد يتكسبون ويتجرون ويتدهقنون . عن ابن عباس : هم أهل مكة . وقيل : هم اليهود . وروي أن أناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش فيقولون : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد . فإن قلت : كيف جاز أن يغتر رسول الله A بذلك حتى ينهى عن الاغترار به ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما أن مدرة القوم ومتقدمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا فكأنه قيل : لا يغرنكم والثاني : أن رسول الله A كان غي مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه كقوله : " ولا تكن مع الكافرين " هود : 42 ، " ولا تكونن من المشركين " الأنعام : 14 ، " فلا تطع المكذبين " القلم : 8 ، وهذا في النهي نظير قوله في الأمر " اهدنا الصراط المستقيم " الفاتحة : 6 ، " يا أيها الذين آمنوا آمنوا " النساء : 36 ، وقد جعل النهي في الظاهر للتقلب وهو في المعنى للمخاطب وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب لأن التقلب لو غره لاغتر به فمنع السبب ليمتنع المسبب . وقرئ : لا يغرنك بالنون الخفيفة " متاع قليل " خبر مبتدأ محذوف أي ذلك متاع قليل وهو التقلب في البلاد أراد قلته في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة أو في جنب ما أعد الله للمؤمنين من الثواب أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه وكل زائل قليل . قال رسول الله A : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " " وبئس المهاد " وساء ما مهدوا لأنفسهم .
" ولكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار " النزل والنزل : ما يقام للنازل . و قال أبو الشعراء الضبي : .
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا