" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " أن في قوله " أن اعبدوا الله " إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر . والمفسر إما فعل القول وإما فعل الأمر وكلاهما لا وجه له . أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير لا تقول : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله . ولكن : ما قلت لهم إلا اعبدوا الله . وأما فعل الأمر فمسند إلى ضمير الله D . فلو فسرته باعبدوا الله ربي وربكم لم يستقم ؛ لأن الله تعالى لا يقول : اعبدوا الله ربي وربكم وإن جعلتها موصولة بالفعل لم تخل من أن تكون بدلا من ما أمرتني به أو من الهاء في به وكلاهما غير مستقيم : لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه . ولا يقال : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته ؛ لأن العبادة لا تقال . وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك لو أقمت أن اعبدوا الله مقام الهاء فقلت : إلا ما أمرتني بأن أعبدوا الله لم يصح لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته . فإن قلت : فكيف يصنع ؟ قلت : يحمل فعل القول على معناه ؛ لأن معنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به . ما أمرتهم إلا بما أمرتني به حتى يستقيم تفسيره بأن اعبدوا الله ربي وربكم . ويجوز أن تكون أن موصولة عطف بيان للهاء لا بدلا " وكنت عليهم شهيدا " رقيبا كالشاهد على المشهود عليه أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به " فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة وأنزلت عليهم من البينات وأرسلت إليهم من الرسل " إن تعذبهم فإنهم عبادك " الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك " وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز " القوي القادر على الثواب والعقاب " الحكيم " الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب . فإن قلت : المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال : وإن تغفر لهم ؟ قلت : ما قال إنك تغفر لهم ولكنه بنى الكلام على : إن غفرت فقال : إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن .
" قال الله هذا يوم ينفع اصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا Bهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم " قرئ : هذا يوم ينفع بالرفع والإضافة . وبالنصب إما على أنه ظرف لقال : وإما على أن هذا مبتدأ والظرف خبر . ومعناه : هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع يوم ينفع . ولا يجوز أن يكون فتحا كقوله تعالى : " يوم لا تملك " الانفطار : 9 ، لأنه مضاف إلى متمكن . وقرأ الأعمش : يوم ينفع بالتنوين كقوله تعالى : " واتقوا يوما لا تجزي نفس " البقرة : 48 ، فإن قلت : ما معنى قوله : ينفع الصادقين صدقهم ؟ إن أريد صدقهم في الآخرة فليست الآخرة بدار عمل وإن أريد صدقهم في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه ؛ لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة ؟ قلت : معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم . وعن تقادة : متكلمان تكلما يوم القيامة . أما إبليس فقال : إن الله وعدكم وعد الحق فصدق يومئذ وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه صدقه . وأما عيسى عليه السلام فكان صادقا في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه .
" لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير " فإن قلت : في السموات والأرض العقلاء وغيرهم فهلا غلب العقلاء فقيل : ومن فيهن ؟ قلت : ما يتناول الأجناس كلها تناولا عاما . ألا تراك تقول إذا رأيت شبحا من بعيد : ما هو ؟ قبل أن تعرف أعاقل هو أم غيره فكان أولى بإرادة العموم .
عن رسول الله A : " من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا " .
الجزء الثاني .
سورة الأنعام .
مكية وعن ابن عباس : غير ست آيات . وآياتها 165 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون "