تعال من الخاص الذي صار عاما وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عم . و " ما حرم " منصوب بفعل التلاوة أي أتل الذي حرمه ربكم . أو يحرم بمعنى : أقل أي شيء حرم ربكم لأن التلاوة من القول وأن في " إلا تشركوا " مفسرة ولا للنهي . فإن قلت : هلا قلت هي التي تنصب الفعل وجعلت أن لا تشركوا بدلا من " ما حرم الله " قلت : وجب أن يكون " لا تشركوا " و " لا تقربوا " و " لا تقتلوا " و " لا تتبعوا السبل " الأنعام : 153 ، نواهي لانعطاف الأوامر عليها وهي قوله : " وبالوالدين أحسنا " لأن التقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا . و " أوفوا " وإذا قلتم فاعدلوا " الأنعام : 152 ، " وبعهد الله أوفوا " الأنعام : 152 ، . فإن قلت : فما تصنع بقوله : " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه " فيمن قرأ بالفتح وإنما يستقيم عطفه على أن لا تشركوا إذا جعلت أن هي الناصبة للفعل حتى يكون المعنى : أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما ؟ قلت : أجعل قوله : أن هذا صراطي مستقيما الأنعام : 153 ، علة للاتباع بتقدير اللام كقوله تعالى : " أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " الجن : 18 ، بمعنى : ولأن هذا صراطي مستقيم فاتبعوه . والدليل عليه القراءة بالكسر كأنه قيل : واتبعوا صراطي لأنه مستقيم أو اتبعوا صراطي إنه مستقيم . فإن قلت : إذا جعلت " أن " مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق حرم ربكم وجب أن يكون ما بعده منهيا عنه محرما كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي فما تصنع بالأوامر قلت لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدمهن جميعا فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه علم أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان . وترك العدل في القول ونكث عهد الله " من إملاق " من أجل فقر ومن خشيته كقوله تعالى : " خشية إملاق " الإسراء : 31 ، " وما ظهر منها وما بطن " مثل قوله : " ظاهر الإثم وباطنه " الأنعام : 120 ، " إلا الحق " كالقصاص والقتل على الردة والرجم .
" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " .
" إلا بالتي هي أحسن " إلا بالخصلة التي هي أحسن ما يفعل بمال اليتيم وهي حفظه وتثميره والمعنى : احفظوه عليه حتى يبلغ أشده فادفعوه إليه " بالقسط " بالسوية والعدل " لا نكلف نفسا إلا وسعها " إلا ما يسعها ولا تعجز عنه . وإنما أتبع الأمر بإيفاء الكيل في الميزان ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجري فيه الحرج فأمر ببلوغ الوسع وأن ما وراءه معفو عنه " ولو كان ذا قربى " ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل فما ينبغي أن يزيد في القول أو ينقص كقوله : " ولو على أنفسهم أو الوالدين و الأقربين " النساء135 .
" وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرقوا بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " .
وقرئ : " وأن هذا صراطي مستقيما " بتخفيف " أن " وأصله : وأنه هذا صراطي على أن الهاء ضمير الشأن والحديث . وقرأ الأعمش : وهذا صراطي . وفي مصحف عبد الله : وهذا صراط ربكم . وفي مصحف أبي : وهذا صراط ربك " ولا تتبعوا السبل " الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات " فتفرق بكم " فتفرقكم أيادي سبا " عن سبيله " عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام . وقرئ : " فتفرق بكم " بإدغام التاء . وروى أبو وائل عن ابن مسعود عن النبي A :