" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " وإما ينخسنك منه نخس بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به " فاستعذ بالله " ولا تطعه . النزغ والنسغ : الغرز والنخس كأنه ينخس الناس حين يغريهم على المعاصي . وجعل النزغ نازغا كما قيل جد جده . وروي : أنها لما نزلت قال رسول الله A كيف يا رب والغضب فنزل " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " ويجوز أن يراد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب كقول أبي بكر Bه : إن لي شيطانا يعتريني .
" إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " .
" طائف من الشيطان " لمة منه مصدر من قولهم : طاف به الخيال يطيف طيفا قال : .
أني ألم بك الخيال يطيف .
أو هو تخفيف طيف فيعل من طاف يطيف كلين أو من طاف يطوف كهين . وقرئ : طائف وهو يحتمل الأمرين أيضا . وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان وأن المتقين هذه عادتهم : إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته " تذكروا " ما أمر الله به ونهى عنه فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه أنفسهم . وأما إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين فإن الشياطين يمدونهم في الغي أي يكونون مددا لهم فيه ويعضدونهم . وقرئ : يمدونهم من الإمداد . ويمادونهم بمعنى يعاونونهم " ثم لا يقصرون " ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا . قوله : " وإخوانهم يمدونهم " كقوله : .
قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها .
في أن الخبر جار على ما هو له . ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين فيكون الخبر جاريا على ما هو له والأول أوجه لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا . فإن قلت : لم جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد ؟ قلت : المراد به الجنس كقوله : " أولياؤهم الطاغوت " البقرة : 257 .
" وإذا لم تأتيهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما اتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " .
اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه : أي جمعه كقولك : اجتمعه أو جبي إليه فاجتباه : أي أخذه كقولك : جليت إليه العروس فاجتلاها ومعنى " لولا اجتبيتها " هلا اجتمعتها افتعالا من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون : " إن هذا إلا إفك مفترى " سبأ : 43 ، أو هلا أخذتها منزلة عليك مقترحة ؟ " قل إنما اتبع ما يوحى إلي من ربي " ولست بمفتعل للآيات أو لست بمقترح لها " هذا بصائر " هذا القرآن بصائر " من ربكم " أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى أو هو بمنزلة بصائر القلوب .
" وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون " .
" وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة . وقيل : كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن . وقيل معناه : وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له . وقيل : معنى فاستمعوا له : فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه .
" واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ولا تكن من الغافلين " .
" " واذكر ربك في نفسك " هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك " تضرعا وخيفة " متضرعا وخائفا " ودون الجهر " ومتكلما كلاما دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر " بالغدو والأصال " لفضل هذين الوقتين . أو أراد الدوام . ومعنى بالغدو : بأوقات الغدو وهي الغدوات . وقرئ : والإيصال من آصل إذا دخل في الأصيل كأقصر وأعتم وهو مطابق للغدو " ولا تكن من الغافلين " من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه .
" إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " .
" إن الذين عند ربك " هم الملائكة صلوات الله عليهم . ومعنى " عند " دنو الزلفة والقرب من رحمة الله تعالى وفضله لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته " وله يسجدون " ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره وهو تعريض بمن سواهم من المكلفين .
عن رسول الله A : " من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة " .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين