" يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين وإن منكم مائة يغلبون ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ألئن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعيفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبون مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبون ألفين بإذن الله والله مع الصابرين " .
التحريض : المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت أو أن تسميه حرضا : وتقول له : ما أراك إلا حرضا في هذا الأمر وممرضا فيه ليهيجه ويحرك منه . ويقال : حركه وحرضه وحرصه وحرشه وحربه بمعنى وقرئ حرص بالصاد غير المعجمة حكاها الأخفش من الحرص وهذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله تعالى وتأييده ثم قال : " بأنهم قوم لا يفقهون " أي بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ويستحقون خذلانه خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله تعالى . وعن ابن جريج كان عليهم أن لا يفروا وبثبت الواحد منهم للعشرة وكان رسول الله A بعث حمزة Bه في ثلاثين راكبا فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب . قيل : ثم ثقل عليهم ذلك وضجوا منه وذلك بعد مدة طويلة فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين وقيل : كان فيهم قلة في الابتداء ثم لما كثروا بعد نزل التخفيف . وقرئ ضعفا بالفتح والضم كالمكث والمكث والفقر والفقر . وضعفا : جمع ضعيف . وقرئ الفعل المسند إلى المائة بالتاء والياء في الموضعين والمراد بالضعف : الضعف في البدن . وقيل : في البصيرة والاستقامة في الدين وكانوا متفاوتين في ذلك فإن قلت : لم كرر المعنى الواحد وهو مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده ؟ قلت : للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت لأن الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين .
" ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب أليم " .
وقرئ : للنبي على التعريف وأسارى . ويثخن بالتشديد . ومعنى الإثخان : كثرة القتل والمبالغة فيه من قولهم : أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة . وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة يعني حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر . ثم الأسر بعد ذلك . ومعنى " وما كان " ما صح له وما استقام وكان هذا يوم بدر فلما كثر المسلمون نزل " فإما منا بعد وإما فداء " محمد : 4 ، وروي : أن رسول الله A أتي بسبعين أسيرا فيهم العباس عمه وعقيل بن أبي طالب فاستشار أبا بكر Bه فيهم فقال : قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك . وقال عمر Bه : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء : مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ومكني من فلان لنسيب له فلنضرب أعناقهم . فقال A : لا إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " إبراهيم : 36 ، ومثلك يا عمر مثل نوح قال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " نوح : 26 ، ثم قال لأصحابه : لا أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق . وروي : أنه قال لهم : إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم فقالوا : بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد وكان فداء الأسارى عشرين أوقية وفداء العباس أربعين أوقية . وعن محمد بن سيرين : كان فداؤهم مائة أوقية والأوقية أربعون درهما وستة دنانير . وروي :