أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية فدخل عمر على رسول الله A فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال : أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروي أنه قال : لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ Bهما لقوله كان الإثخان في القتل أحب إلي " عرض الدنيا " حطامها سمى بذلك لأنه حدث قليل اللبث يريد الفداء " والله يريد الآخرة " يعني ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل وقرئ : يريدون بالياء وقرأ بعضهم والله يريد الآخرة بجز الآخرة على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله كقوله : .
أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا .
ومعناه والله يريد عرض الآخرة . على التقابل يعني ثوابها " والله عزيز " يغلب أولياءه على أعدائه ويتمكنون منهم قتلا وأسرا ويطلق لهم الفداء ولكنه " حكيم " يؤخر ذلك إلى أن يكثروا ويعزوا وهم يعجلون " لولا كتاب من الله سبق " لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ وكان هذا خطأ في الاجتهاد ؟ لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم . وقيل : كتابه أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها . وقيل : إن أهل بدر مغفور لهم . وقيل : إنه لا يعذب قوما إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي ولم يتقدم نهي عن ذلك " فكلوا مما غنمتم " روي : أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت . وقيل : هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم " واتقوا الله " فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه .
" فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم " .
فإن قلت : ما معنى الفاء ؟ قلت : التسبيب والسبب محذوف معناه : قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم . وحلالا : نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا وقوله : " إن الله غفور رحيم " معناه أنكم إذا اتقيتموه بعد ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم .
" يا أيها النبي قل لمن في أيديكم كم الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم " .
" في أيديكم " في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم وقرئ : من الأسرى " في قلوبكم خيرا " خلوص إيمان وصحة نية " يؤتكم خيرا مما أخذ منكم " من الفداء إما أن يخلفكم في الدنيا أضعافه أو يثيبكم في الآخرة وفي قراءة الأعمش . يثبكم خيرا وعن العباس Bه أنه قال : كنت مسلما لكنهم استكرهوني . فقال رسول الله A : " إن يكن ما تذكره حقا فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا أو كان أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر وخرج بالذهب لذلك . وروي أن رسول الله A قال للعباس : " افد ابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال : يا محمد تركتني أتكفف قريشا ما بقيت . فقال له : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل ؟ فقال العباس وما يدريك ؟ قال : " أخبرني به ربي " قال العباس : فأنا أشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ولقد كنت مرتابا في أمرك فأما إذ أخبرتني بذلك فلا ريب . قال العباس Bه : فأبدلني الله خيرا من ذلك لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي . وروي : أنه قدم على رسول الله A : مال البحرين ثمانون ألفا فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه وأمر العباس أن يأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة وقرأ الحسن وشيبة : مما أخذ منكم على البناء للفاعل .
" وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم "