أتبع النهي عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر أن الله D هو الضار النافع الذي إن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد فكيف بالجماد الذي لا شعور به . وكذلك إن أرادك بخير لم يرد أحد ما يريده بك من فضله وإحسانه فكيف بالأوثان ؟ فهو الحقيق إذا بأن توجه إليه العبادة دونها وهو أبلغ من قوله : " إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته " الزمر : 38 ، . فإن قلت : لم ذكر المس في أحدهما والإرادة في الثاني ؟ قلت : كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعا : الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير وأنه لا راد لما يريده منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما فأوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما والإرادة في الآخر ؟ ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله تعالى : " يصيب به من يشاء من عباده " والمراد بالمشيئة : مشيئة المصلحة .
" قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن يضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل " .
" قد جاءكم الحق " فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجة فمن اختار الهدى واتباع الحق فما نفع باختياره إلا نفسه ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه واللام وعلى : دلا على معنى النفع والضر . وكل إليهم الأمر بعد إبانة الحق وإزاحة العلل . وفيه حث علي إيثار الهدى واطراح الضلال مع ذلك " وما أنا عليكم بوكيل " بحفيظ موكول ألي أمركم وحملكم على ما أريد إنما أنا بشير ونذير .
" واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين " .
" واصبر " على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم " حتى يحكم الله " لك بالنصرة عليهم والغلبة .
وروي أنها لما نزلت جمع رسول الله A الأنصار فقال : " إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني " يعني أني أمرت في هذه الآية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة قال أنس : فلم نصبر .
ورري أن أبا قتادة تخلف عن تلقي معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الأنصار ثم دخل عليه من بعد فقال له : ما لك لم تتلقنا ؟ قال : لم تكن عندنا دواب . قال : فأين النواضح ؟ قال : قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر وقال A : يا معشر الأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة . قال معاوية : فماذا قال ؟ قال : " فاصبروا حتى تلقوني " قال فاصبر . قال : إذن نصبر . فقال عبد الرحمن بن حسان : .
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... أمير الظالمين نثا كلامي .
بأنا صابرون فمنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام .
عن رسول الله A : " من قرأ سورة يونس أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون .
سورة هود .
عليه السلام .
وهي مائة وثلاث وعشرون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم .
" ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " .
" أحكمت آياته " نظمت نظما رصينا محكما لا يقع في نقض ولا خلل كالبناء المحكم المرصف . ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيما : أي جعلت حكيمة كقوله تعالى : " آيات الكتاب الحكيم " يونس : 1 ، وقيل : منعت من الفساد من قولهم : أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح . قال جرير : .
أني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا