وعن قتادة : أحكمت من الباطل " ثم فصلت " كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص . أو جعلت فصولا سورة سورة وآية آية . أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة . أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد : أي بين ولخص . وقرئ : " أحكمت آياته ثم فصلت " أي أحكمتها أنا ثم فصلتها . وعن عكرمة والضحاك : ثم فصلت أي فرقت بين الحق والباطل . فإن قلت : ما معنى ثم ؟ قلت : ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل . وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل وكتاب : خبر مبتدأ محذوف وأحكمت : صفة له . وقوله : " لدن حكيم خبير " صفة ثانية . ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون صلة لأحكمت وفصلت أي : من عنده إحكامها وتفصيلها وفيه طباق حسن لأن المعنى : أحكمها حكيم وفصلها : أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور .
" ألا تعبدوا إلا الله أنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير " .
" ألا تعبدوا " مفعول له على معنى : لئلا تعبدوا . أو تكون أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القوم كأنه قيل قال لا تعبدوا إلا الله أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله " وأن استغفروا " أي أمركم بالتوحيد والاستغفار . ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي A إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة . ويدل عليه قوله : " أنني لكم منه نذير وبشير " كأنه قال : ترك عبادة غير الله إنني لكم منه نذير كقوله تعالى : " فضرب الرقاب " محمد : 4 ، والضمير في " منه " لله D أي : إنني لكم نذير وبشير من جهته كقوله : " رسول من الله " البينة : 2 ، أو هي صلة لنذير أي : أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم وأبشركم بثوابه إن آمنتم . فإن قلت : ما معنى ثم في قوله : " ثم توبوا إليه " ؟ قلت : معناه استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة . أو استغفروا والاستغفار توبة ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها كقوله : " ثم استقاموا " الأحقاف : 13 ، . " يمتعكم " يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ونعمة متتابعة " إلى أجل مسمى " إلى أن يتوفاكم كقوله : " فلنحيينه حياة طيبة " النحل : 97 ، " ويؤت كل ذي فضل فضله " ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه . أو فضله في الثواب والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات " وإن تولوا " وإن تتولوا " عذاب يوم كبير " هو يوم القيامة وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل . وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء فكان قادرا على أشد ما أراد من عذابهم لا يعجزه . وقرئ : " وإن تولوا " من ولي .
" ألا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور "