" بقينا رسول الله A " والبقية المرة من مصدره . والمعنى : فلو كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله كأنهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم " إلا قليلا " استثناء منقطع معناه : ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي . و " من " في " ممن أنجينا " حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم بدليل قوله تعالى : " أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا " الأعراف : 165 ، . فإن قلت : هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه ؟ قلت : إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام كان المعنى فاسدا لأنه يكون تخصيصا لأولى البقية على النهي عن الفساد إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول : هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن وإن قلت : في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم فكأنه قيل : ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا كان استثناء متصلا ومعنى صحيحا وكان انتصابه على أصل الاستثناء وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه " أراد بالذين ظلموا : تاركي النهي عن المنكرات أي : لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعقدوا هممهم بالشهوات واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء . ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم . وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي واتبع الذين ظلموا يعني : واتبعوا جزاء ما أترفوا فيه . ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة : أنهم اتبعوا جزاء إترافهم . وهذا معنى قوي لتقدم الإنجاء كأنه قيل : إلا قليلا ممن أنجينا منهم وهلك السائر . فإن قلت : علام عطف قوله : " واتبع الذين ظلموا " ؟ قلت : إن كان معناه : واتبعوا الشهوات كان معطوفا على مضمر لأن المعنى إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهو عطف على نهوا . وإن كان معناه واتبعوا جزاء الإتراف فالواو للحال كأنه قيل : أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم . فإن قلت : فقوله " وكانوا مجرمين " ؟ قلت : على أترفوا أي : اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين ؟ لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام . أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر . أو على اتبعوا أي اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك . ويجوز أن يكون اعتراضا وحكما عليهم بأنهم قوم مجرمون .
" وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
" كان " بمعنى صح واستقام . واللام لتأكيد النفي . و " بظلم " حال من الفاعل . والمعنى : واستحال في الحكمة أن يهلك الله القرى ظالما لها " وأهلها " قوم " مصلحون " تنزيها لذاته عن الظلم وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظلم . وقيل : الظلم الشرك ومعناه أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر .
" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " .
" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمة واحدة أي ملة واحدة وهي ملة الإسلام كقوله : " إن هذه أمتكم أمة واحدة " الأنبياء : 92 ، وهذا الكلام يتضمن نفي الاضطرار وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل فاختلفوا فلذلك قال : " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " إلا ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه " ولذلك خلقهم " ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأول وتضمنه يعني : ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره " وتمت كلمة ربك " وهي قوله للملائكة " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " لعلمه بكثرة من يختار الباطل .
" وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك من هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون "