" ما أكثر الناس " يريد العموم كقوله : " ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " هود : 17 ، وعن ابن عباس Bه . أراد أهل مكة أي وما هم بمؤمنين " ولو حرصت " وتهالكت على إيمانهم لتصميمهم على الكفر وعنادهم " وما تسألهم " على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى كما يعطى حملة الأحاديث والأخبار " إن هو إلا ذكر " عظة من الله " للعالمين " عامة وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله .
" وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون " .
" من آية " من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده " يمرون عليها " ويشاهدونها وهم معرضون عنها لا يعتبرون بها . وقرئ : والأرض بالرفع على الابتداء ويمرون عليها : خبره وقرأ السدي والأرض بالنصب على : ويطؤن الأرض يمرون عليها . وفي مصحف عبد الله : والأرض يمشون عليها برفع الأرض والمراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر .
" وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " .
" وما يؤمن أكثرهم " في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادته الوثن وعن الحسن : هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان . وعن ابن عباس Bهما : هم الذين يشبهون الله بخلقه .
" أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون " .
" غاشية " نقمة تغشاهم . وقيل : ما يغمرهم من العذاب ويجللهم وقيل : الصواعق .
" قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " .
" هذه سبيلي " هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي . والسبيل والطريق : يذكران ويؤنثان ثم فسر سبيله بقوله : " ادعوا إلى الله على بصيرة " أي أدعو إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء . و " أنا " تأكيد للمستتر في " ادعوا " . " ومن اتبعني " عطف عليه . يريد : أدعو إليها أنا ويدعو إليها من اتبعني ويجوز أن يكون " أنا " مبتدأ و " على بصيرة " خبرا مقدما و " ومن اتبعني " عطفا على " أنا " إخبارا مبتدأ بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى ويجوز أن يكون " على بصيرة " حالا من " ادعوا " عاملة الرفع في " أنا ومن اتبعني " " سبحان الله " وأنزهه من الشركاء .
" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون " .
" إلا رجالا " لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون " لو شاء ربنا لأنزل ملائكة " فصلت : 14 ، وعن ابن عباس Bهما : يريد ليست فيهم امرأة . وقيل : في سجاح المتنبئة .
ولم تزل أنبياء الله ذكرانا .
وقرئ : نوحي إليهم بالنون . " من أهل القرى " لأنهم أعلم وأحلم وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة " ولدار الآخرة " ولدار الساعة أو الحال الآخرة " خير للذين اتقوا " للذين خافوا الله فلم يشركوا به ولم يعصوه . وقرئ . " أفلا تعقلون " بالتاء والياء .
" حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين " .
" حتى " متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام كأنه قيل : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا " فتراخى نصرهم حتى إذا استيأسوا عن النصر " وظنوا أنهم قد كذبوا " أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو رجاؤهم لقولهم : رجاء صادق ورجاء كاذب . والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب . وعن ابن عباس Bهما : وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر وقال : كانوا بشرا وتلا قوله : " وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " البقرة : 214 ، فإن صح هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظن : ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية . وأما الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربهم وأنه متعال عن خلف الميعاد منزه عن كل قبيح ؟ وقيل : وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا أي : أخلفوا . أو : وظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل أي : كذبتهم