" لولا أنزل عليه آية من ربه " لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله A عنادا فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصا حية وإحياء الموتى فقيل لرسول الله A : إنما أنت رجل أرسلت منذرا ومخوفا لهم من سوء العاقبة . وناصحا كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأية آية كانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوة بها لا تفاوت بيني والذي عنده كل شيء بمقدار يعطي كل نبي آية على حسب ما اقتضاه علمه بالمصالح وتقديره لها " ولكل قوم هاد " من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها ولم يجعل الأنبياء شرعا واحدا في آيات مخصوصة . ووجه آخر : وهو أن يكون المعنى أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون فلا يهمنك ذلك إنما أنت منذر فما عليك إلا أن تنذر لا أن تثبت الإيمان في صدورهم ولست بقادر عليه ولكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء وهو الله تعالى . ولقد دل بما أرد من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضاء حكمته أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره : أمر مدبر بالعلم النافذ مقدر بالحكمة الربانية ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا ومصلحة لأجابهم إليه . وأما على الوجه الثاني فقد دل به على أن من هذه قدرته وهذا علمه هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم ولا سبيل إلى ذلك لغيره .
" الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال " .
" الله يعلم " يحتمل أن يكون كلاما مستأنفا وأن يكون المعنى : هو الله تفسيرا لهاد على الوجه الأخير ثم ابتدئ فقيل : " يعلم ما تحمل كل أنثى " وما في " ما تحمل " " وما تغيض " " وما تزداد " إما موصولة وإما مصدرية . فإن كانت موصولة فالمعنى : يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو . من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة ويعلم ما تغيضه الأرحام : أي تنقصه . يقال : غاض الماء وغضته أنا . ومنه قوله تعالى : " وغيض الماء " هود : 44 ، وما تزداده : أي تأخذه زائدا تقول : أخذت منه حقي وازددت منه كذا ومنه قوله تعالى : " وازدادوا تسعا " الكهف : 25 ، ويقال : زدته فزاد بنفسه وازداد ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد فإنها تشتمل على واحد وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة ويروى أن شريكا كان رابع أربعة في بطن أمه . ومنه جسد الولد فانه يكون تاما ومخدجا ومنه مدة ولادته فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند أبي حنيفة وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك وقيل : إن الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان بقي في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمي هرما . ومنه الدم فإنه يقل ويكثر . وإن كانت مصدرية فالمعنى أنه يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام وازديادها لا يخفى عليه شيء من ذلك ومن أوقاته وأحواله . ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها على أن الفعلين غير متعديين ويعضده قول الحسن : الغيضوضة أن تضع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك والازدياد أن تزيد على تسعة أشهر . وعنه الغيض الذي يكون سقطا لغير تمام والازدياد ما ولد لتمام " بمقدار " بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله " إنا كل شيء خلقناه بقدر " القمر : 49 ، " الكبير " العظيم الشأن الذي كل شيء دونه " المتعال " المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها .
" سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد بقوم سوءا فلا مراد له وما لهم من دونه من وال "