" والذين آتيناهم الكتاب " يريد من أسلم من اليهود كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلا : أربعون بنجران واثنان وثلاثون بأرض الحبشة وثمانية من أهل اليمن هؤلاء " يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب " يعني ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله A بالعداوة نحو كعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب أسقفي نجران وأضياعهما " من ينكر بعضه " لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم غير محرف وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام ونعت رسول الله A وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع . فإن قلت : كيف اتصل قوله : " قل إنما أمرت أن أعبد الله " بما قبله ؟ قلت : هو جواب للمنكرين معناه : قل إنما أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله ولا أشرك به . فإنكاركم له إنكار لعبادة الله وتوحيده فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة الله وأن لا يشرك به " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا " آل عمران : 64 ، وقرأ نافع في رواية أبي خليد : ولا أشرك بالرفع على الاستئناف كأنه قال : وأنا لا أشرك به ويجوز أن يكون في موضع الحال على معنى : أمرت أن أعبد الله غير مشرك به " إليه أدعوا " خصوصا لا أدعو إلى غيره " وإليه " لا إلى غيره مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لإنكاركم .
" وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق " .
" وكذلك أنزلناه " ومثل ذلك الإنزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه والإنذار بدار الجزاء " حكما عربيا " حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصابه على الحال . كانوا يدعون رسول الله A إلى أمور يوافقهم عليها منها أن يصلي إلى قبلتهم بعد ما حوله الله عنها فقيل له : لئن تابعتهم على دين ما هو إلا أهواء وشبه بعد ثبوت العلم عندك بالبراهين والحجج القاطعة خذلك الله فلا ينصرك ناصر وأهلكك فلا يقيك من واق وهذا من باب الإلهالب والتهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين والتصلب فيه وأن لا يزل زال عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة وإلا فكان رسول الله A من شدة الشكيمة بمكان .
" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب " .
كانوا يعيبونه بالزواج والولاد كما كانوا يقولون : ما لهذا الرسول يأكل الطعام وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ فقيل : كان الرسل قبله بشرا مثله ذوي أزواج وذرية . وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم ولا يأتون بما يقترح عليهم والشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات فلكل وقت حكم يكتب على العباد أي : يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم " يمحوا الله ما يشاء " ينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته أو يتركه غير منسوخ وقيل : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة ؟ لأنهم مأمورون بكتبة كل قول وفعل " ويثبت " غيره . وقيل يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة ويثبت إيمانهم وطاعتهم . وقيل : يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضا من الأناسي وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها والكلام في نحو هذا واسع المجال " وعنده أم الكتاب " أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه . وقرئ : ويثبت .
" وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " .
" وإن ما نرينك " وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم . أو توفيناك قبل ذلك فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم .
" أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب "