" كتاب " هو كتاب يعني السورة . وقرئ : ليخرج الناس . والظلمات والنور : استعارتان للضلال والهدى " بإذن الله " بتسهيله وتيسيره مستعار من الإذن الذي هو تسهيل للحجاب وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق " إلى صراط العزيز الحميد " بدل من قوله إلى النور بتكرير العامل كقوله : " للذين استضعفوا لمن آمن منهم " الأعراف : 75 ، ويجوز أن يكون على وجه الاستئناف كأنه قيل : إلى أي نور ؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد . وقوله : " الله " عطف بيان للعزيز الحميد لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي تحق له العبادة كما غلب النجم في الثريا . وقرئ بالرفع على : هو الله . الويل : نقيض الوأل وهو النجاة اسم معنى كالهلاك ؟ إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال : ويلا له فينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال : ويل له كقوله : سلام عليك . ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان توعد الكافرين بالويل . فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : " من عذاب شديد " بالويل ؟ قلت : لأن المعنى أنهم يولولون من عذاب شديد ويضجون منه ويقولون : يا ويلاه كقوله : " دعوا هنالك ثبورا " الفرقان : 13 ، " الذين يستحبون " مبتدأ خبره : أولئك في ضلال بعيد ويجوز أن يكون مجرورا صفة للكافرين ومنصوبا على الذم . أو مرفوعا على أعني الذين يستحبون أو هم الذين يستحبون والاستحباب : الإيثار والاختيار وهو استفعال من المحبة ؟ لأن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليه وأفضل عندها من الآخر . وقرأ الحسن ويصدون بضم الياء وكسر الصاد . يقال : صده عن كذا وأصده قال : .
أناس اصدوا الناس بالسيف عنهم .
والهمزة فيه داخلة على صد صدودا لتنقله من غير التعدي إلى التعدي . وأما صده فموضوع على التعدية كمنعه وليست بفصيحة كأوقفه ؟ لأن الفصحاء استغنوا بصده ووقفه عن تكلف التعدية بالهمزة " ويبغونها عوجا " ويطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجا وأن يدلوا الناس على أنها سبيل ناكبة عن الحق غير مستوية والأصل : ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل " في ضلال بعيد " أي ضلوا عن طريق الحق ووقفوا دونه بمراحل . فإن قلت : فما معنى وصف الضلال بالبعد . قلت : هو من الإسناد المجازي والبعد في الحقيقة للضال ؟ لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق فوصف به فعله كما تقول : جد جده ويجوز أن يراد : في ضلال ذي بعد . أو فيه بعد : لأن الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريبا وبعيدا .
" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم " .
" إلا بلسان قومه ليبين لهم " أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا : لم نفهم ما خوطبنا به كما قال : " ولو جعلناه قرانا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته " فصلت : 44 ، فإن قلت : لم يبعث رسول الله A إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الأعراف : 158 ، بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة وإن لم تكن لغيرهم حجة فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا