" ومن ذريتي " وبعض ذريتي عطفا على المنصوب في اجعلني وإنما بعض لأنه علم بإعلام الله أنه يكون في ذريته كفار وذلك قوله : " لا ينال عهدي الظالمين " البقرة : 124 . " وتقبل دعائي " أي عبادتي " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " مريم : 48 ، في قراءة أبي ولأبوي . وقرأ سعيد بن جبير : ولو الدي على الإفراد يعني أباه وقرأ الحسن بن علي Bهما : ولولدي يعني إسماعيل وإسحاق . وقرئ : لولدي بضم الواو . والولد بمعنى الولد كالعدم والعدم . وقيل : جمع ولد كأسد في أسد . وفي بعض المصاحف : ولذريتي . فإن قلت : كيف جاز له أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين ؟ قلت : هو من مجوزات العقل لا يعلم امتناع جوازه إلا بالتوقيف . وقيل : أراد بوالديه آدم وحواء وقيل : بشرط الإسلام . ويأباه قوله " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " الممتحنة : 4 ، لأنه لو شرط الإسلام لكان استغفارا صحيحا لا مقال فيه فكيف يستثني الاستغفار الصحيح من جملة ما يؤتسى فيه بإبراهيم " يوم يقوم الحساب " أي يثبت وهو مستعار من قيام القائم على الرجل والدليل عليه قولهم : قامت الحرب على ساقها . ونحوه قولهم : ترجلت الشمس : إذا أشرقت وثبت ضوؤها كأنها قامت على رجل . ويجوز أن يسند إلى الحساب قيام أهله إسنادا مجازيا أو يكون مثل " واسأل القرية " يوسف : 82 ، وعن مجاهد : قد استجاب الله له فيما سأل فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته وجعل البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات . وجعله إماما وجعل في ذريته من يقيم الصلاة وأراه مناسكه وتاب عليه وعن ابن عباس Bهما أنه قال : كانت الطائف من أرض فلسطين فلما قال إبراهيم " ربنا إني أسكنت " الآية إبراهيم : 37 ، رفعها الله فوضعها حيث وضعها رزقا للحرم .
" ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " .
فإن قلت : يتعالى الله عن السهو والغفلة فكيف يحسبه رسول الله A وهو أعلم الناس به غافلا حتى قيل " " ولا تحسبن الله غافلا " ؟ قلت : إن كان خطابا لرسول الله A ففيه وجهان . أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا كقوله : " ولا تكونن من المشركين " الأنعام : 14 ، " ولا تدع مع الله إلها آخر " الشعراء : 213 ، كما جاء في الأمر " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " النساء : 136 ، والثاني : أن المراد بالنهي عن حسبانه غافلا الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون لا يخفى عليه منه شيء وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله : " والله بما تعملون عليم " البقرة : 283 ، يريد الوعيد . ويجوز أن يراد : ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير وإن كان خطابا لغيره ممن يجوز أن يحسبه غافلا لجهله بصفاته فلا سؤال فيه وعن ابن عيينة : تسلية للمظلوم وتهديد للظالم فقيل له من قال هذا ؟ فغضب وقال : إنما قاله من علمه وقرئ : يؤخرهم بالنون والياء " تشخص فيه الأبصار " أي أبصارهم لا تقر في أماكنها من هول ما ترى " مهطعين " مسرعين إلى الداعي . وقيل : الإهطاع أن تقبل ببصرك على المرئي تديم النظر إليه لا تطرف " مقنعي رؤوسهم " رافعيها " لا يرتد إليهم طرفهم " لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم أي : لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان . أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم . الهواء : الخلاء الذي لم تشغله الأجرام فوصف به فقيل : قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جرأة . ويقال للأحمق أيضا : قلبه هواء . قال زهير : .
من الظلمان جؤجؤه هواء .
لأن النعام مثل في الجبن والحمق . وقال حسان : .
فأنت مجوف نخب هواء .
وعن ابن جريج " وأفئدتهم هواء " صفر من الخير خاوية منه وقال أبو عبيدة : جوف لا عقول لهم .
" وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام "