فإن قلت : بم تعلق قوله : " كما أنزلنا " ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما أن يتعلق بقوله : " ولقد آتيناك " الحجر : 87 ، أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون " الذين جعلوا القرآن عضين " حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه . وقيل : كانوا يستهزؤن به فيقول بعضهم : سورة البقرة لي ويقول الآخر : سورة آل عمران لي ويجوز أن يراد بالقرآن : ما يقرؤنه من كتبهم وقد اقتسموه بتحريفهم وبأن اليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض وهذه تسلية لرسول الله A عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم وقولهم سحر وشعر وأساطير بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم . والثاني أن يتعلق بقوله : " وقل إني أنا النذير المبين " الحجر : 89 ، أي : وأنذر قريشا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة والنضير جعل المتوقع بمنزلة الواقع وهو من الإعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان . ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير أي : أنذر المعضين الذين يجزؤن القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله A يقول بعضهم : لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر . ويقول الآخر : كذاب والآخر : شاعر فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وغيرهم أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحا عليه السلام والاقتسام بمعنى التقاسم . فإن قلت : إذا علقت قوله : " كما أنزلنا " بقوله : " ولقد آتيناك " الحجر : 87 ، فما معنى توسط " لا تمدن " الحجر : 88 ، إلى آخره بينهما ؟ قلت : لما كان ذلك تسلية لرسول الله A عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين " عضين " أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء . قال رؤبة : .
وليس دين الله بالمعضي .
وقيل : هي فعلة من عضهته إذا بهته وعن عكرمة : العضة السحر بلغة قريش يقولون للساحر عاضهة .
ولعن النبي A العاضهة والمستعضهة نقصانها على الأول واو وعلى الثاني هاء .
" فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " .
" لنسألنهم " عبارة عن الوعيد . وقيل يسألهم سؤال تقريع . وعن أبي العالية : يسأل العباد عن خلتين : عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين .
" فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين " .
" فاصدع بما تؤمر " فاجهر به وأظهره . يقال : صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا كقولك : صرح بها من الصديع وهو الفجر والصدع في الزجاجة : الإبانة . وقيل : " فاصدع " فافرق بين الحق والباطل بما تؤمر والمعنى بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله : .
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به .
وبجوز أن تكون ما مصدرية أي بأمرك مصدر من المبني للمفعول .
" إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلاها آخر فسوف يعلمون " .
عن عروة بن الزبير في المستهزئين : هم خمسة نفر ذوو أسنان وشرف : الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحرث بن الطلاطلة . وعن ابن عباس رضي الله عنه : ماتوا كلهم قبل بدر .
قال جبريل عليه السلام للنبي A : أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فدخلت فيها شوكة فقال : لدغت لدغت وانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات وأشار إلى عيني الأسود بن المطلب فعمي وأشار إلى أنف الحرث بن قيس فامتخط قيحا فمات وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات .
" ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "