" الأنعام " الأزواج الثمانية وأكثر ما تقع على الإبل وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله : " والقمر قدرناه " ياسين : 39 ، ويجوز أن يعطف على الإنسان أي : خلق الإنسان والأنعام ثم قال : " خلقها لكم " أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان والدفء : اسم ما يدفأ به كما أن الملء اسم ما يملأ به وهو الدفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر . وقرئ : " دف " بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء " ومنافع " هي نسلها ودرها وغير ذلك . فإن قلت : تقديم الظرف في قوله " ومنها تأكلون " مؤذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها . قلت : الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم . وأما الأكل من غيرها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه ويحتمل أن طعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر فالحب والثمار التي تأكلونها منها وتكتسبون بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها وألبانها وجلودها .
" ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " .
من الله بالتجمل بها كما من بالانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معاظمها لأن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء أنست أهلها وفرحت أربابها وأجلتهم في عيون الناظرين إليها وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس . ونحوه " لتركبوها وزينة " النحل : 8 ، " يواري سوآتكم وريشا " الأعراف : 26 ، . فإن قلت : لم قدمت الإراحة على التسريح ؟ قلت : لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها . وقرأ عكرمة : " حينا تريحون وحينا تسرحون " على أن " تريحون وتسرحون " وصف للحين . والمعنى : تريحون فيه وتسرحون فيه كقوله تعالى : " يوما لا يجزي والد " لقمان : 33 .
" وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم " .
قرئ : بكسر الشين وفتحها . وقيل : هما لغتان في معنى المشقة وبينهما فرق : وهي أن المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصاع . وأما الشق فالنصف كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد . فإن قلت : ما معنى قوله : " لم تكونوا بالغيه " كأنهم كانوا زمانا يتحملون المشاق في بلوغه حتى حملت الإبل أثقالهم . قلت : معناه وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه في التقدير لو لم تخلق الإبل إلا بجهد أنفسكم لا أنهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة . فإن قلت : كيف طابق قوله : " لم تكونوا بالغيه " قوله : " " وتحمل أثقالكم " وهلا قيل : لم تكونوا حامليها إليه ؟ قلت : طباقه من حيث أن معناه : وتحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم . ويجوز أن يكون المعنى : لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس . وقيل : أثقالكم أجرامكم . وعن عكرمة البلد مكة " لرؤوف رحيم " حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح .
" والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون " .
" والخيل والبغال والحمير " عطف على الأنعام أي : وخلق هؤلاء للركوب والزينة وقد احتج على حرمة أكل لحومهن بأن علل خلقها بالركوب والزينة ولم يذكر الأكل بعد ما ذكره في الأنعام . فإن قلت : لم انتصب " وزينة " ؟ قلت : لأنه مفعول له وهو معطوف على محل لتركبوها . فإن قلت : فهلا ورد المعطوف والمعطوف عليه على سنن واحد ؟ قلت : لأن الركوب فعل المخاطبين وأما الزينة ففعل الزائن وهو الخالق . وقرئ : لتركبوها زينة بغير واو أي : وخلقها زينة لتركبوها . أو تجعل زينة حالا منها أي : وخلقها لتركبوها وهي زينة وجمال " ويخلق ما لا تعلمون " يجوز أن يريد به : ما يخلق فينا ولنا مما لا نعلم كنهه وتفاصيله ويمن علينا بذكره كما من بالأشياء المعلومة مع الدلالة على قدرته . ويجوز أن يخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ليزيدنا دلالة على اقتداره بالإخبار بذلك وإن طوى عنا علمه لحكمة له في طيه وقد حمل على ما خلق في الجنة والنار مما لم يبلغه وهم أحد ولا خطر على قلبه .
" وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين "