المراد بالسبيل : الجنس ولذلك أضاف إليها القصد وقال " ومنها جائر " والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد . يقال : سبيل قصد وقاصد أي : مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه . ومعنى قوله " وعلى الله قصد السبيل " أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله : " إن علينا للهدى " الليل : 12 ، . فإن قلت : لم غير أسلوب الكلام في قوله " ومنها جائر " ؟ قلت : ليعلم ما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقيل : وعلى الله قصد السبيل وعليه جائرها أو وعليه الجائر . وقرأ عبد الله : ومنكم جائر يعني : ومنكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره والله بريء منه " ولو شاء لهداكم أجمعين " قسرا وإلجاء .
" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر وفيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " .
" لكم " متعلق بأنزل أو بشراب خبرا له . والشراب ما يشرب " شجر " يعني الشجر الذي ترعاه المواشي . وفي حديث عكرمة : " لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت " . يعني الكلأ " تسيمون " من سامت الماشية إذا رعت فهي سائمة وأسامها صاحبها وهو من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات في الأرض . وقرئ : ينبت بالياء والنون . فإن قلت : لم قيل " ومن كل الثمرات " ؟ قلت : لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض بعض من كلها للتذكرة " يتفكرون " ينظرون فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته . والآية : الدلالة الواضحة . وعن بعضهم : ينبت بالتشديد . وقرأ أبي بن كعب : ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب بالرفع .
" وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " .
قرئت كلها بالنصب على وجعل النجوم مسخرات أو على أن معنى تسخيرها للناس : تصييرها نافعة لهم حيث يسكنون بالليل ويبتغون من فضله بالنهار ويعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر ويهتدون بالنجوم . فكأنه قيل : ونفعكم بها في حال كونها مسخرات لما خلقن له بأمره . ويجوز أن يكون المعنى : أنه سخرها أنواعا من التسخير جمع مسخر بمعنى تسخير من قولك : سخره الله مسخرا كقولك : سرحه مسرحا كأنه قيل : وسخرها لكم تسخيرات بأمره . وقرئ بنصب الليل والنهار وحدهما ورفع ما بعدهما على الابتداء والخبر . وقرئ : والنجوم مسخرات بالرفع وما قبله بالنصب وقال " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " فجمع الآية . وذكر العقل لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة .
" وما زرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون " .
" وما زرأ لكم " معطوف على الليل والنهار يعني : ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلف الهيآت والمناظر .
" هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حليا تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " .
" لحما طريا " هو السمك ووصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيسارع إلى أكله خيفة للفساد عليه . فإن قلت : ما بال الفقهاء قالوا : إذا حلف الرجل لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث . والله تعالى سماه لحما كما ترى ؟ قلت : مبنى الأيمان على العادة وعادة الناس إذا ذكر اللحم على الإطلاق أن لا يفهم منه السمك وإذا قال الرجل لغلامه : اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقا بالإنكار . ومثاله أن الله تعالى سمى الكافر دابة في قوله : إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فلو حلف حالف لا يركب دابا فركب كافرا لم يحنث . " حلية " هي اللؤلؤ والمرجان . والمراد بلبسهم : لبس نسائهم لأنهن من جملتهم ولأنهن إنما يتزين بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم . المخر : شق الماء بحيزومها . وعن الفراء : هو صوت جري الفلك بالرياح . وابتغاء الفضل : التجارة .
" وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهار وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون "