" ما مكني فيه ربي خير " ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخراج فلا حاجة بي إليه كما قال سليمان صلوات الله عليه : " فما آتاني الله خير مما آتاكم " النمل : 36 ، . قرئ : بالإدغام وبفكه . " فأعينوني بقوة " بفعله وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات " ردما " حاجزا حصينا موثقا . والردم أكبر من السد من قولهم : ثوب مردم رقاع فوق رقاع . وقيل : حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمي فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا . وقيل : بعد ما بين السدين مائة فرسخ . وقرئ : سوى وسووى . وعن رسول الله A : " أن رجلا أخبره به فقال : كيف رأيته ؟ قال كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء . قال : قد رأيته . والصدفان بفتحتين : جانبا الجبلين لأنهما يتصادقان أي : يتقابلان وقرئ : الصدفين بضمتين . والصدفين بضمة وسكون . الصدفين بفتحة وضمة . والقطر النحاس المذاب لأنه يقطر و " قطرا " منصوب بأفرغ وتقديره آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه . وقرئ : قال ائتوني أي جيئوني " فما اسطاعوا " بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء . وقرئ : فما اصطاعوا بقلب السين صادا . وأما من قرأ بإدغام التاء في الطاء فملاق بين ساكنين على غير الحد " أن يظهروا " أي يعلوه أي : لا حيلة لهم فيه من صعود . لارتفاعه وانملاسه ولا نقب لصلابته وثخانته .
" قال هذا من رحمة ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا " .
" هذا " إشارة إلى السد أي : هذا السد نعمة من الله و " رحمة " على عباده . أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته " فإذا جاء وعد ربي " يعني فإذا دنا مجيء يوم القيامة وشارف أن يأتي جعل السد " دكاء " أي مدكوكا مبسوطا مستوي بالأرض وكل ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندك . ومنه : الجمل الأدك : المنبسط السنام . وقرئ : دكاء بالمد : أي أرضا مستوية " وكان وعد ربي حقا " آخر حكاية قول ذي القرنين .
" وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا " .
" وتركنا " وجعلنا " بعضهم " بعض الخلق " يموج في بعض " أي يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى . ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون من وراء السد مزدحمين في البلاد . وروي : يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون .
" وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا " .
" وعرضنا جهنم " وبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها " عن ذكري " عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتعظيم . أو عن القرآن وتأمل معانيه وتبصرها ونحوه " صم بكم عمي " البقرة : 17 - 18 ، " وكانوا لا يستطيعون سمعا " يعني وكانوا صما عنه إلا أنه أبلغ لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع .
" أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " .
" من دوني أولياء " هم الملائكة يعني : أنهم لا يكونون لهم أولياء كما حكى عنهم " سبحانك أنت ولينا من دونهم " سبأ : 41 ، . وقرأ ابن مسعود : أفظن الذين كفروا وقراءة علي Bه أفحسب الذين كفروا أي : أفاكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء على الابتداء والخبر . أو على الفعل والفاعل ؟ لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل كقولك : أقائم الزيدان . والمعنى أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا . وهي قراءة محكمة جيدة النزل : ما يقام للنزيل وهو الضيف ونحوه " فبشرهم بعذاب أليم " آل عمران : 21 .
" قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا "