العامل في " يوم نطوي " لا يحزنهم . أو الفزع . أو تتلقاهم . وقرىء " تطوى السماء " على البناء للمفعول و " السجل " بوزن العتل والسجل بلفظ الدلو . وروي فيه الكسر : وهو الصحيفة أي : كما يطوى الطومار للكتابة أي : ليكتب فيه أو : لما يكتب فيه ؛ لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب ومن جمع فمعناه : للمكتوبات أي : لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة . وقيل " الشجل " : ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه . وقيل : كاتب كان لرسول الله A . والكتاب - على هذا - اسم الصحيفة المكتوب فيها " أول خلق " مفعول نعيد الذي يفسره " نعيده " والكاف مكفوفة بما . والمعنى : نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء : فان قلت : وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه ؟ قلت : أوله إيجاده عن العدم فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم فإن قلت : ما بال " خلق " منكرا . قلت : هو كقولك : هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا فكذلك معنى " أول خلق " : أول الخلق بمعنى : أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع . ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره " نعيده " وما موصولة أي : نعيد مثل الذي بدأناه نعيده . وأول خلق : ظرف لبدأنا أي : أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى " وعدا " مصدر مؤكد لأن قوله : " نعيده " عدة للإعادة " إنا كنا فعلين " أي قادرين على أن نفعل ذلك .
" ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصلحون " .
عن الشعبي رحمة الله عليه : زبور داود عليه السلام والذكر : التوراة . وقيل اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب . والذكر : أم الكتاب يعني اللوح أي : يرثها المؤمنون بعد إجلاء الكفار كقوله تعالى : " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها " الأعراف : 137 ، " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " الأعراف : 128 ، وعن ابن عباس Bه : هي أرض الجنة . وقيل : الأرض المقدسة ترثها أمة محمد A .
" إن في هذا لبلغا لقوم يعبدون " .
الإشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة . والبلاغ : الكفاية وما تبلغ به البغية .
" وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين " .
أرسل A " رحمة للعلمين " لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه . ومن خالف ولم يتبع . فإنما أتى من عند نفسه حيث ضيع نصيبه منها . ومثاله : أن يفجر الله عينا غديقة فيسقي ناس زروعهم ومواشيهم بمائها فيفلحوا ويبقى ناس مفرطون عن السقي فيضيعوا فالعين المفجرة في نفسها نعمة من الله ورحمة للفريقين ولكن الكسلان محنة على نفسه ؛ حيث حرمها ما ينفعها . وقيل : كونه رحمة للفجار من حيث أن عقوبتهم أخرت بسببه وأمنوا به عذاب الاستئصال .
" قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون " .
إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد . وقد اجتمع المثالان في هذه الآية لأن " إنما يوحى إلى " مع فاعله بمنزلة : إنما يقوم زيد . و " أنما إلهكم إله وحد " بمنزلة : إنما زيد قائم . وفائدة اجتماعهما : الدلالة على أن الوحي إلى رسول الله A مقصور على استئثار الله بالوحدانية : وفي قوله : " فهل أنتم مسلمون " أن الوحي الوارد على هذا السنن موجب أن تخلصوا التوحيد لله وأن تخلعوا الأنداد . وفيه أن صفة الوحدانية يصح أن تكون طريقها السمع . ويجوز أن يكون المعنى : أن الذي يوحي إلي فتكون " ما " موصولة .
" فإن تولوا فقل ءاذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتع إلى حين " .
آذن منقول من أذن إذا علم ولكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار . ومنه قوله تعالى : " فأذنوا بحرب من الله ورسوله " البقرة : 279 ، وقول ابن حلزة : .
آذنتنا ببينها أسماء .
والمعنى : أني بعد توليكم وإعراضكم عن قبول ما عرض عليكم من وجوب توحيد