أراد D أن يريهم عظم الجنابة في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله بغير إذنه " وإذا كانوا معه على أمر جامع " فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الأيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله : " إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله " وضمنه شيئا آخر وهو : أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسللهم لو اذا . ومعنى قوله : " لم يذهبوا حتى يستئذنوه " لم يذهبوا حتى يستأذنوه ويأذن لهم ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن يأذن له . والأمر الجامع : الذي يجمع له الناس فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز وذلك نحو مقاتلة عدو أو تشاور في خطب مهم أو تضام إرهاب مخالف أو تماسح في حلف وغير ذلك . أو الأمر الذي يعم بضرره أو بنفعه . وقرئ : ( أمر جميع ) وفي قوله : " وإذا كانوا معه على أمر جامع " أنه خطب جليل لابد لرسول الله A فيه من ذوي رأي وقوة يظاهرون عليه ويعاونونه ويستضيء بآرتائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفايته فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه فمن ثمة غلظ عليهم وضيق عليهم ويعنيهم وذلك قوله : " لبعض شأنهم " . وذكر الاستغفار للمستأذنين : دليل على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه . وقيل : نزلت في حفر الخندق وكان قوم يتسللون بغير إذن . وقالوا : كذلك ينبغي أن يكون الناس مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يخذلونهم في نازلة من النوازل ولايتفرقون عنهم . والأمر في الإذن مفوض إلى الإمام : إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن على حسب ما اقتضاه رأيه .
" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو اذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " إذا احتاج رسول الله A إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه ولا تقولوا : يا محمد ولكن : يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير و التعظيم والصوت المخفوض والتواضع . ويحتمل : لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم وكبيركم وفقيركم وغنيكم يسأله حاجة فربما أجابه وربما رده فإن دعوات رسول الله A مسموعة مستجابة " يتسللون " ينسلون قليلا قليلا . ونظير ( تسلل ) : ( تدرج وتدخل ) : واللواذ : الملاوذة وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا يعني : ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض . و " لواذا " حال أي : ملاوذين وقيل : كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيأذن له فينطلق الذي لم يؤذن له معه . وقرئ : ( لو اذا ) بالفتح فليحذر الذين يخالفونه عن أمره يقال : خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ومنه قوله تعالى : " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " هود : 88 وخالفه عن الأمر : إذا صد عنه دونه . ومعنى " الذين يخالفون عن أمره " الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون فحذف المفعول لأن الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه . الضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول A . والمعنى : عن طاعته ودينه " فتنة " محنة في الدنيا " أو يصيبهم عذاب أليم " في الآخرة . وعن ابن عباس Bهما : فتنة قتل . وعن عطاء : زلازل وأهوال . وعن جعفر بن محمد : يسلط عليهم سلطان جائر .
" ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم " أدخل " قد " ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أن " قد " إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ( ربما ) فوافقت ( ربما ) في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله : .
فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود .
ونحوه قول زهير :