" قوم ءاخرون " قيل : هم اليهود . وقيل : عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وأبو فكيهة الرومي : قال ذلك النضر بن الحرث بن عبد الدار . ( جاء ) و ( أتى ) يستعملان في معنى فعل فيعديان تعديته وقد يكون على معنى : وردوا ظلما كما تقول : جئت المكان . ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل . وظلمهم : أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب . والزور : أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه .
" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تمل عليه بكرة وأصيلا " " أساطير الأولين " ما سطره المتقدمون من نحو أحاديث رستم وإسفنديار جمع : أسطار أو أسطورة كأحدوثه " اكتتبها " كتبها لنفسه وأخذها كما تقول : استكب الماء واصطبه : إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه . وقرئ : ( اكتتبها ) على البناء للمفعول . والمعنى : اكتتبها كاتب له لأنه كان أميا لا يكتب بيده وذلك من تمام إعجازه ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب كقوله : " واختار موسى قومه " الأعراف : 155 ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان بارزا منصوبا وبقي ضمير الأساطير على حاله فصار " اكتتبها " كما ترى . فإن قلت : كيف قيل : اكتتبها " فهى تملى عليه " وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتتبها ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه . أو كتب له وهو أمكي فهي تملى عليه : أي تلقى عليه من كتابه يتحفظها : لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب . وعن الحسن : أنه قول الله سبحانه يكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار . ووجهه أن يكون نحو قوله : .
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودا شصائصا نبلا .
وحق الحسن أن يقف على الأولين " بكرة وأصيلا " أي دائما أو في الخفية قبل أن ينتشر الناس وحين يأوون إلى مساكنهم .
" قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما " أي يعلم كل سر خفي في السماوات والأرض ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله A مع علمكم أن ما تقولونه باطل وزور وكذلك باطن أمر رسول الله A وبراءته مما تبهتونه به وهو يجازيكم ويجازيه على ما علم منكم وعلم منه . فإن قلت : كيف طابق قوله : " إنه كان غفورا رحيما " هذا المعنى ؟ قلت : لما كان ما تقدمه في معنى الوعيد عقبه بما يدل على القدرة عليه لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة أو هو تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبا ولكن صرف ذلك عنهم إنه غفور رحيم : يمهل ولا يعاجل .
" وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "