ينهاه عن التكبر بعد التواضع . فإن قلت : المتبعون للرسول هم المؤمنون والمؤمنون هم المتبعون للرسول فما معنى قوله : " لمن اتبعك من المؤمنين " ؟ قلت : فيه وجهان : أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك وأن يريد بالمؤمنين المصدقين بألسنتهم وهم صنفان : صنف صدق واتبع رسول الله فيما جاء به وصنف ما وجد منه إلا التصديق فحسب ثم إما أن يكونوا منافقين أو فاسقين والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح . والمعنى : من المؤمنين من عشيرتك وغيرهم يعني : أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض لهم جناحك وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرحك بالله وغيره .
وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم " " وتوكل " على الله يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم . والتوكل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره . وقالوا : المتوكل من إن دهمه أمر يحاول دفعه عن نفسه بما هو معغصضية لله فعلى هذا إذا وقع انسان في محنه ثم سأل غيره خلاصه لم يخرج من حد التوكل ؛ لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بنعصية الله . وفي مصاحف أهل المدينة والشام : فتوكل وبه قرأ نافع وابن عامر ولخ محملان في العطف : أن يعطف على فقل . أو ؛ فلا تدع . " على العزيز الرحيم " على الذين يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته . ثم ابتع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة : وهو ذكر ما كان بفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتجهدين من أصحاب ؛ ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون ويستبطن سر أمرهم وكيف يعبدون الله وكيف يعملون لآخرتهم كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطابعات وتكثير الحسنات فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع منها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة . والمراد بالساجدين : المصلون . وقيل : معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة . وتقلبه في الساجدين : تصرفه فيما بينهم بقيامة وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم . وعن مقاتل : أنه سأل أبا حنيفة C هل تحجد الصلاة في الجماعةو في القرآن ؟ فقال : لا يحضرني فتلا له هذه الآية . ويحتمل أنه : لا يخفى عليه " العليم " بما تنويه وتعلمه . وقيل : هو تقلب بصره فيمن يصلي خلفه من قوله A : أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلف ظهري إذا ركعتم وسجدتم وقرئ ويقلبك .
" هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثهم كاذبون " " كل أفاك أثيم " هم الكهنة والمنبئة كشق وسطيح ومسيلمة وطليحة " يلقون السمع " هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملأ الأعلى فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما أطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم من أولئك " وأكثرهم كاذبون " فيما يوحون به إليهم ؛ لأنهم يسمعون ما لم يسمعوا . وقيل : يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة . وقيل : الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم . أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم وترى أكثر ما يحكمون به باطلا وزورا . وفي الحديث : الكلمة يخفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة والقر : الصب . فإن قلت : كيف دخل حرف الجر على من المتضمنة لمعنى الاستفهام والاستفهام له صدر الكلام ؟ ألا ترى إلى قولك : أعلى زيد مررت ؟ ولا تقول : على أزيد مررت ؟ قلت : ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا : معنى الاسم ومعنى الجرف . وإنما معناه : أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل : أهل . قال ؛ : أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم