فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول : أعلى من تنزل الشياطين كقولك : أعلى زيد مررت . فإن قلت : " يلقون " ما محله ؟ قلت : يجوز أن يكون في محل النصب على الحال أي : تنزل ملقين السمع وفي محل الجر صفة لكل أفاك ؛ لأنه في معنى الجمع وأن تنزل على الأفاكين ؟ فقيل : يفعلون كيت وكيت . فإن قلت : يستأنف كأن قائلا قال : لم تنزل على الأفاكين ؟ فقيل : يفعلون كيت وكيت . فإن قلت : كيف قيل : " وأكثرهم كاذبون " بعد ما قضى عليهم أن كل واحد منهم أفاك ؟ قلت : الأفاكون هم الذين يكثرون اففك ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك فأراد أن هؤلاء الأفاكين قل م يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ؛ وأكثرهم مفتر عليه . فإن قلت : " وإنه لتنزيل رب العالمين " الشعراء : 192 ، " وما تنزلت به الشياطين " الشعراء : 210 ، " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين " لم فرق بينهن وهن أخوات ؟ قلت : أريد التفريق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع إلى المجئ بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة : فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها . ومثاله : أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه .
" والشعراء يتبعهم الغاون " " والشعراء " مبتدأ . و " يتبعهم الغاون " خبره : ومعناه : أنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم ووفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق اعراض والقدح في الأنساب والنسيب بالحرم والغزل والابتهار ومدح من لا يستحق المدح ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم - إلا الغاوون والسفهاء والشطار . وقيل : الغاوون : الراوون . وقيل : الشياطين وقيل : هم شعراء قريش : عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ومسامع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحي . ومن ثقيف : أمية ابن أبي الصلت . قالوا : نحن نقول مثل قول محمد - وكانوا يهجونه ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم - وقرأ عيسى بن عمر : والشعراء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر . قال أبو عبيد : كان الغالب عليه حب النصب . قرأ : " حمالة الحطب " المسد : 4 " والسارق والسارقة " المائدة : 38 و " سورة أنزلناهم " النور : 1 وقرئ : يتبعهم على التخفيف . ويتبعهم بسكون العين تشبيها لبعه بعضد .
" ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون " ذكر الوادي والهيوم : فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبادلاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حد القصد فيه حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأشحم على حاتم وأن يبهتوا البري يويفسقوا التقي . وعن الفرزدق : أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله : .
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام .
فقال : قد وجب عليك الحد فقال : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله : " وأنهم يقولن ما لا يفعلون " .
" إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والآدب الحسنة ومدح رسول الله A والصحابة وصلحاء الأمة وما لا بأس به من المعاني التي لا يتلطخون فيهايي بذنب ولا يتلبسون بشائنة ولا منقصة وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهحجوهم . قال الله تعالى : " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " البقرة : 194 وعن عمرو بن عبيد : أن رجلا من العلوية قال له : إن صدري ليجيش بالشعر فقال : فما يمنعك منه فيما لا بأس به ؟ والقول فيه : أن الشعر باب من الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام . وقيل : المراد بالمستثنين : عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبان : كعب بن مالك وكعب بن زهير ؛ والذين كانوا ينافحون عن رسول الله A ويكافحون هجاء قريش . وعن كعب بن مالك أن النبي A قال له : ( اهجهم ؛ فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل ) وكان يقول لحسان :