" صنع الله " من المصادر المؤكدة كقوله : " وعد الله " النساء : 95 و " صبغة الله " البقرة : 138 إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم بنفخ والمعنى : ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ثم قال : صنع الله يريد به : افثابة والمعاقبة . وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال : صنع الله " الذي أتقن كل شيء " يعني أن مقابته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب : من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه علام بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك . ثم لخص ذلك بقوله : " من جاءؤ بالحسنة " إلى آخر الآيتين فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه ومكانه إضماده ورصانة تفسيره وأخذ الشقاشق . ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان . ألا ترى إلى قوله : " صنع الله " و " صيغة الله " البقرة : 138 ، و " وعد الله " النساء : 95 و " فطرة الله " الروم : 30 : بعدما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم كيف تلاها بقوله : " الذي أتقن كل شئ " " ومن أحسن من الله صبغة " البقرة : 138 " لا يخلف الله الميعاد " الزمر : 20 " لا تبديل لخلق الله " الروم : 30 وقرئ : تفعلون على الخطاب . " فله خير منها " يريد الإضعاف وأن العمل يتقضى والثواب يدوم وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد . وقيل : فله خير منها أي : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة وعن ابن عباس ؛ الحسنة كلمة الشهادة . وقرئ : " يومئذ " مفتوحا مع الإضصافة ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن . ومنصوبا مع تنوين فزع . فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأول : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن بأمن لحاق الضرر به ؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتوليه . وأما الثاني : فالخوف من العذاب . فإن قلت : فمن قرأ " من فزع " بالتنوين ما معناه ؟ قلت : يحتمل معنيين . من فزع واحد وهو خوف العقاب وأما ما يلحق افنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم فلا يخلون منه ؛ لأن البشرية تقتضي ذلك . وفي الخبار ولآثار ما يدل عليه . ومن فزع شديد مفرط الشدة لايكتنهه الوصف : وهو خوف النار . أمن : يعدي بالجار وبنفسه كقوله تعالى : " فأمنوا مكر الله " الأعراف : 99 . وقيل : السيئة : الإشراك . يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة فكأنه قيل : فكبوا في النار كقوله تعالى : " فكبكبوا فيها " الشعراء : 94 ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين " هل تجزون " يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بلإضمار القول .
" إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرءان فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ون ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيركم ءاياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون " أمر رسوله بأن يقول : " أمرت " أن أخص الله وحده بالعبادة ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش وأن أكون من الحنقاء الثابتين على ملة الإسلام " وأن أتلوا القرءان " من التلاوة أو من التلو كقوله : " واتبع ما يوحى إليك " يونس : 109 ، الأحزاب : 2 . والبدلة : مكة حرسها الله تعالى : اختصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها ؛ لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه ؛ وأعظمها عنده . وهكذا قال النبي A حين خرج في مهاجره فلما بلغ الحزورة استقبلها بوجهه الكريم فقال :