" تلك " تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعنى : تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها . لم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " هود : 113 فعلق الوعيد بالركون . وعن علي Bه : إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتهت . وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال : ذهبت الأماني ههنا . وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض . ومن الطماع من يجعل العلو لفرعون والفساد لقارون متعلقا بقوله : " إن فرعون علا في الأرض " القصص : 14 ، " ولا تبغ الفساد في الأرض " القصص : 77 ويقول : من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة ولا يتدبر قوله : " والعافبة للمتقين " كما تدبره علي والفضيل وعمر .
" من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا الشيئات إلا ما كانوا يعملون " معناه : فلا يجزون فوضع " الذين عملوا السئات " موضع الضمير ؛ عمل السيئة إليهم مكررا . فضل تهجين لحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين " إلا ما كانوا يعملون " إلا مثل ما كانوا يعملون وهذا من فضله العظيم وكرمه الواسع أن لا يجزى السيئة إلا بمثلها ويجزى الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة وهو معنى قوله : " فله خير منها " .
" إن الذين فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين " " فرض عليك القرءان " أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه يعني : أن الذي حملك صعوبة هذا التكليف لمثيبك عليها ثوابا لا يحيط به الوصف . و " لرادك " بعد الموت " إلى معاد " أي معاد ليس لغيرك من البشر وتنكير المعاد لذلك : وقيل : المراد به مكة : ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح : ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معادا له شأن ومرجعا له اعتداد ؛ لغلبة رسول الله A عليها وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه . والسورة مكية فكأن الله وعده وهو بمكة في أذى وغلبة من أهلها : أنه يهاجر به منها ويعيده إليها ظاهرا ظافرا . وقيل : نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره . وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم فنزل جبريل فقال له : أتشتاق إلى نكة ؟ قال : نعم فأوحاها إليه فإن قلت : كيف اتصل قوله تعالى : " قل ربي أعلم " بما قبله ؟ قلت : لما وعد رسوله الرد إلى معاد قال : قل للمشركين : " ربي أعلم من جاء بالهدى " يعنى نفسه وما يستحقه من الثواب في معاده " ومن هو في ضلال مبين " يعنيهم وما يستحقونه من العقاب في معادهم .
" وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين " فإن قلت : قوله : " إلا رحمة من ربك " ما وجه الإستثناء فيه ؟ قلت : هذا كلام محمول على المعنى كأنه قيل : وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمه من ربك . ويجوز أن يكون إلا بمعنى لكن للاستدراك أي : ولكن لرحمة من ربك ألقى إليك .
" ولا يصدنك عن ءايات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين " وقرئ : يصدنك من أصده بمعنى صده وهي في لغة كلب . وقال : .
أناس أصدوا الناس بالسيف عنهمو ... صدود السواقي عن أنوف الحوائم .
" بعد إذ أنزلت إليك " بعد وقت إنزاله وإذ تضاف إليه أسماء الزمان كقولك : حينئذ وليلتئذ ويمئذ وما أشبه ذلك . والنهي عن مظاهرة الكافرين ونحو ذلك من باب التهجيج الذي سبق ذكره .
" ولا تدع مع الله إلاه ساخر لا إلاه إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " " إلا وجهه " إلا إياه والوجه يعبر به عن الذات .
قال رسول الله A : من قرأ طسم القصص كان له الأجر بعدد من صدق موسى وكذب به ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له القيامة أنه كان صادقا أن كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون .
سورة العنكبوت .
محكية وآياتها تسع وستون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم .
" الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين "