قرأتها على رسول الله A من ضعف فأقرأني من ضعف . وقوله : " خلقكم من ضعف كقوله : " خلق الإنسان من عجل " الأنبياء : 37 يعني أن أساس أمركم وما عليه جبلتكم وبنيتكم الضعف " وخلق الإنسان ضعبفا " النساء : 28 أي ابتدأناكم في أول الأمر ضعافا . وذلك حال الطفولة والنشئ حتى بلغتم وقت الاحتلام والشبيبة وتلك حال القوة إلى الاكتهال وبلوغ الأشد ثم رددتم إلى أصل حالكم وهو الضعف بالشيخوخة والهرم . وقيل : من ضعف كم النطف كقوله تعالى : " من ماء مهين " السجدة : 8 ، المرسلات : 20 وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير من هيئة إلى هيئة وصفة إلى صفة : أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع العليم القادر .
" ويم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " الساعة " القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعة الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبديهة . كما تقول : في ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة . وأرادوا : لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث . وفي الحديث : وما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون قالوا : لا نعلم أهي أربعون سنة أم أربعون ألف سنة ؟ . وذلك وقت يفنون فيه وينقطع عذابهم وإنما يقدرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له . أو أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون " كذلك كانوا يؤفكون " أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحق . أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن أنه ما كان ساعة .
" وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون " القائلون : هم الملائكة والأنبياء . والمؤمنون " في كتب الله " في اللوح . أو في علن الله وقضائه . أو فيما كتبه أي : أوجبه بحكمته . ردوا ما قالوه وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم : " فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون " أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه . فإن قلت : ما هذه الفاء ؟ وما حقيقتها ؟ قلت : هي في قوله : فقد جئنا خراسانا وحقيقتها : أنها جواب شرط يدل عليه الكلام كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث أي فقد تبين بطلان قولكم . وقرأ الحسن يوم البعث بالتحريك " لا ينفع " قرئ بالياء والتاء " يستعتبون " من قولك : استعتبني فلان فأعتبته . أي : استرضيته وذلك إذا كنت جانيا عليه . وحقيقته أعتبته : أزلت عتبه . ألا ترى إلى قوله : .
غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصليم .
كيف جعلهم غضابا ثم قال : فأعتبوا أي : أويل غضبهم . والغضب في معنى العتب . والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ومثله قوله تعالى : " لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون " الجاثية : 35 . فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات وغير معتبين في بعضها وهو قوله : " وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " فصلت : 24 ؟ قلت : أما كونهم غير مستعتبين : فهذا معناه . وأما كونهم غير معتبين فمعناه : أنهم غير راضين بما هم فيه فشبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم فهم عاتبون على الجاني غير راضين عنه فإن يستعتبوا الله : أي يسألون إزالة ما هم فيه فما هم من المجابين إلى إزالته .
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل ولئن جئتهم بئاية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون "