وبه ( عن حماد عن إبراهيم عن الصبي ) بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة وتشديد التحتية تصغير صبي بن معبد بمفتوحة وسكون مهملة وفتح موحدة ومهملة ( قال : أقبلت من الجزيرة ) وهي أرض بالبصرة ( حاجا ) أي حال كوني مريدا للحج ( فمررت بسليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان ) بضم أوله ( وهما شيخان ) أي تابعان جليلان ( بالعذيبة ) ظرف مررت والعذيبة مصغرا ماء ( قال ) أي الصبي ( فسمعاني ) أي الشيخان ( أقول لبيك بعمرة وحجة فقال أحدهما : هذا الشخص أضل من بعيره ) أي أجهل ( وقال الآخر هذا أضل ) أي أغوى ( من كذا وكذا ) كناية عما لا يليق بذكره ( قال : فمضيت ) أي على طريقي أو على حالي ( حتى إذا قضيت نسكي ) أي فرغت من إحرامي بهما ( مررت بأمير المؤمنين عمر فأخبرته ) قائلا : يا أمير المؤمنين ( كنت رجلا بعيد الشقة ) بضم الشين المعجمة وبكسر وتشديد القاف الناحية يقصدها المسافر ( قاصي الراء ) عطف بيان أي بعيدها عن راء العلم ( أذن الله ) أي أمرا وقدر أي في هذا ( بوجه ) أي القصد أو التوجيه إلى الكعبة ( فأحببت أن أجمع عمرة إلى حجة فأهللت بهما جميعا ولم أنس ) من ذلك بل كان جمعهما من قصدي هنالك ( فمررت بسليمان بن ربيعة وزيد ين صوحان فسمعاني أقول لبيك بعمرة وحجة معا ) أي مقارنتين ( فقال أحدهما هذا أضل من بعيره وقال الآخر هذا أضل من كذا أو كذا أوصاني ) سبب ذلك ( قال ) : أي عمر ( فصنعت ماذا ) أي فماذا صنعت ( قال : مضيت ) أي فيما شرعت والتزمت ( فطفت طوافا لعمرتي وسعيت سعيا لعمرتي ثم عدت ) أي رجعت إلى بيت ربي فعلت ( مثل ذلك ) أي مثل طواف القدوم وسعيت بحجتي ( ثم بقيت حراما ) أي محرما ( أصنع كما يصنع الحاج ) في أفعاله ( حتى إذا قضيت آخر نسكي ) أي حجي ( قال : هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلّم ) .
ورواه أبو داود والنسائي عن منصور وابن ماجه والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن الصبي بن معبد الثعلبي قال : هللت بهما معا فقال عمر : هديت لسنة نبيك وروى من طريق أخرى وصححه الدارقطني قال : وأصحه إسناد حديث منصور والأعمش عن أبي وائل عن الصبي عن عمر فهذا أحد الأدلة الواضحة على أن حجه E كان قرانا وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين .
( وفي رواية عن الصبي بن معبد قال : كنت حديث عهد بنصرانية ) والمعنى أسلمت جديدا ( فقدمت الكوفة أريد الحج في زمان عمر بن الخطاب فأهل سليمان وزيد بن صوحان ) أي إحراما ( بالحج وحده ) أي مفردا بناء على ظنهما أن الإفراد أولى وأن المتعة بالمعنى الأعم الشامل للقران والتمتع منهي عنهما ( وأهل الصبي ) أي أحرم وهو التفات في المبنى أو نقل بالمعنى ( بالحج والعمرة ) الواو لمجرد الجمع فلا ينافي ما سبق من قوله : لبيك بعمرة وحجة وهو الأفضل في القول المطابق لترتيب الفضل وأين فإن مرتبة الحج أقوى من منزلة العمرة ولذا قال تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } ( 1 ) فإن الحج فرض إجماعا بخلاف العمرة فإن الجمهور على أنها سنة إلا أن كلا منهما يلزم بالشروع .
فقوله : أتموا أمر وجوب بهذا الملاحظة اتفاقا ( فقالا ) أي كلاهما ( ويحك تمتعت ) أي بالجمع بينهما ( وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن المتعة ) هذا غير محفوظ .
والمشهور أن المنع عنها إنما كان من عمرة كما في رواية لمسلم والنسائي أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة فقال له عمر : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد فعله وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا مفرشين بهما في الأراك ثم يرجعون في الحج تقطر رؤوسهم قال ابن الهمام : في هذا اتفاق على أنه E كان متمتعا .
قلت الظاهر أن منع عمر إنما كان عن متعة يخرج فيها عن الإحرام ولذا قرر فعل الصبي على ما تقدم وإنكارهما كان مبنيا على فهمهما أن المنهي هو الأعم والله أعلم وكان يريد أن يكون العمل بالأفضل وهو القران والتمتع الذي لا يحل من إحرامه إما بسوق أو بغيره وهذا اجتهاد منه رضي الله تعالى عنه وإلا فإجماع الأمة على جواز الإفراد والقران والتمتع .
وإنما القران الخلاف في أفضليته وحمل حجه E على أكملها ثم كان عثمان تبع عمر Bهما في هذا الحكم وخالفهما علي كرم الله وجهه فقد روى النسائي عن مروان بن الحكم : كنت جالسا عند عثمان فسمع عليا يلبي بهما الحج والعمرة فقال : ألم تكن تنتهي عن هذا ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبي بهما جميعا فلم أدع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقولك وهذا صريح أن حج النبي صلى الله عليه وسلّم كان قرانا ويؤيده ما في أبي داود عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي Bه حين أمر علي اليمين الحديث إلى أن قال فيه : قال : يعني علي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقال لي : كيف صنعت قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلّم قال : فإني سقت الهدي وقرنت وذكر الحديث ولا يبعد أن يكون النهي صدر عنه صلى الله عليه وسلّم قبل حجه بناء على عرف أهل مكة من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ثم لما حج صلى الله عليه وسلّم أجاز التمتع بنوعيه الشرعي والعرفي وأنه يأتي في إدخال العمرة في الحج بأمره للصحابة أن كل من أفرد بالحج وساق الهدي أن يفسخه بالعمرة فصار النهي السابق منسوخا بالعمل اللاحق .
وقد روى الإمام أحمد من حديث سراقة بإسناد رجاله كلهم ثقات قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال : وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حجة الوداع ومما يقويه ما في الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم تنهى عنه : فقال عثمان دعنا عنك فقال علي : إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى علي ذلك أهل بهما جميعا فبهذا تبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان مهلا بهما .
والحاصل أنهما ( قالا له والله لأنت أضل من بعيرك قال ) أي الصبي ( نقدم ) بفتح الدال أي نحن ومن وافقنا ( على عمر وتقدمون ) أي أنتما ومن معكما ( فلما قدم الصبي مكة طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لعمرته ثم رجع حراما ) أي حال كونه محرما ( لم يحلل من شيء ثم طاف بالبيت ) أي القدوم ( بين الصفا والمروة لحجته ) أي بعد ما يسعى فإنه الأفضل للأفاقي اتفاقا وإنما الخلاف في المكي حتى لم يجوزه الشافعي ( ثم أقام حراما لم يحلل منه حتى أتى عرفات وفرغ من حجه ) أي من أعمالها كلها ( فلما كان يوم أنه حل ) أي أراد أن يحل ( فأهرق دما لمتعة ) أي لقرانه ( فلما صدروا ) أي رجعوا ( من حجهم مروا بعمر بن الخطاب ) وهو في المدينة ( فقال له زيد بن صوحان : يا أمير المؤمنين إنك نهيت عن المتعة وإن الصبي بن معبد قد تمتع قال ) أي ملتفتا عنه إلى صبي ( صنعت ماذا يا صبي ؟ قال : هللت يا أمير المؤمنين بالحج والعمرة ) أي معا ( فلما قدمت مكة وطفت بالبيت ) أي للعمرة ( وطفت ) أي سعيت ( بين الصفا والمروة لعمرتي ) قيد للطواف والسعي جميعا ( ثم رجعت حراما ) أي حال أن لم أحلل من شيء جملة بيانية ( ثم طفت بالبيت ) أي للقدوم ( وبين الصفا والمروة لحجتي ثم أقمت حراما حتى كان يوم النحر فأهرقت دما لمتعتي ) أي لقراني وهو التمتع اللغوي ( ثم أحللت ) أي خرجت من إحرامي بحلق أو تقصير ( قال ) أي الراوي ( فضرب عمر ظهري ) تحسينا لفعله . وقال هديت لسنة نبيك A ) وبهذا علم أيضا أن نهي عمر إنما كان من تمتع يحل صاحبه بعد عمرته لما سبق من بيان علة .
( وفي رواية عن الصبي قال : خرج هو وسليمان بن ربيعة ويزيد بن صوحان يريدون الحج قال ) أي الراوي ( فأما الصبي فقرن الحج والعمرة ) أي جمع بينهما جميعا ( وأما سليمان ويزيد فأفردا الحج ثم أقبلا على الصبي يلومانه فيما صنع من القران ثم قالا له : أنت أضل من بعيرك تقرن ) تأتي القرن ( بين الحج والعمرة وقد نهى أمير المؤمنين عن العمرة والحج ) أي معا ( قال تقدمون على عمر وأقدم ) أي عليه معكم فيحكم بيننا وبينكم .
قال الراوي ( فذهبوا ) أي فذهبوا كلهم ( حتى دخلوا مكة فطاف ) أي الصبي ( بالبيت لعمرته ثم عاد فطاف بالبيت لحجته ) أي الطواف القدوم وتحيته ( ثم سعى بين الصفا والمروة لحجته ) في تقدمته ( ثم إذا أتم أدام حراما كما هو ) أي حاله ( لم يحل من شيء حرم عليه حتى إذا كان يوم النحر ذبح ما استيسر من الهدي شاة ) بيان لما وهو أدنى الهدى ( فلما قضوا نسكهم مروا بالمدينة فدخلوا على عمر فقال له سليمان ويزيد أمير المؤمنين إن ( الصبي قرن بالحج والعمرة ) يعني أنت منعت من المتعة .
( قال ثم صنعت ماذا ؟ قال : لما قدمت مكة طفت طوافا ) لعمرتي ( ثم سعيت بين الصفا والمروة لعمرتي ثم عدت فطفت بالبيت لحجتي ) أي لسنتها ( ثم سعيت بين الصفا والمروة لحجتي ) أي تقدمت لها .
( قال : ثم صنعت ماذا : قال : أقمت حراما لم يحل لي شيء حرم علي من محظورات حتى إذا كان يوم النحر ذبحت ما استيسر من الهدي شاة ) أي بعد الرمي قبل الحلق ( قال ) أي الصبي والراوي ( فضرب عمر على كتفه ) إعلاما على تلطفه ( ثم قال : هديت لسنة نبيك A ) أي طريقته التي اختارها في حجته الدالة على أنها أفضل بكثرة أدليته على حسن بهجته في محجته .
_________ .
( 1 ) البقرة 196