الإسناد مطلوب في الدين رغبت إليه أئمة الشرع المتين وجعلوه من خصائص أمة محمد سيد المرسلين بل وحكموا عليه بكونه سنة من سنن المرسلين .
قال عبد الله بن المبارك : الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء : ما شاء وعنه C - مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم ( 1 ) .
وقال سفيان الثوري : الإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ( 2 ) .
وقال الشافعي Bه : مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل ( 3 ) .
وقال أبو حاتم محمد بن ادريس الرازي : لم يكن في أمة من الأمم مذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة ( 4 ) .
وهكذا فإن الإسناد خصيصة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد موصول إنما هو صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم ( 5 ) .
ولم يصنف الإمام الأعظم Bه كتابا في الأخبار والآثار كما صنف الإمام مالك Bه الموطأ وإنما كان يملي فروع الفقه على تلاميذه فإذا احتاج إلى دليل مسألة حدثهم عن شيوخه من الأحاديث المرفوعة والموقوفة وآثار التابعين : بالسند المتصل تارة وأخرى بلاغا وتعليقا أو انقطاعا ولم يجلس للتحديث كعادة المحدثين ولهذا قلت روايته في الحديث وإلا فهو من الحفاظ المكثرين المتقنين كتب عن أربعة آلاف من أئمة الحديث وأحاديثه كثيرة .
روي عن يحيى بن نصر قال : دخلت عليه في بيت مملوء كتبا : فقلت له ما هذا ؟ فقال : هذه الأحاديث ما حدثت بها إلا اليسير الذي ينتفع به .
وقد عني تلاميذه شكر الله سعيهم - بما سمعوه من الآثار وجمعوها في تصانيف مفردة مرتبة على أبواب الفقه . . . منهم : .
وجاء بعد هؤلاء أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الحارثي المتوفى سنة 340 ه فصنف مسندا كبيرا حوى طرق أحاديثه فاجتهد وأجاد . . ثم اختصره القاضي الإمام صدر الدين موسى بن زكريا الحصكفي المتوفى سنة 650 ه بالقاهرة ثم رتبه الشيخ محمد عابد السندي المدني على أبواب الفقه وهو الشهير اليوم بمسند أبي حنيفة وشرحه العلامة والأستاذ محمد حسن السنبلي الهندي المتوفى سنة 1305 ه