وبه ( عن حماد عن إبراهيم ) أي النخعي ( عن همام ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ( بن الحارث ) نخعي تابعي جليل سمع ابن مسعود وعائشة وغيرهما من الصحابة ( عن عدي بن حاتم ) الطائي قدم علي بن أبي طالب وشهد صفين والنهروان ومات بالكوفة سنة سبع وستين وهو ابن مائة وعشرين روى عنه جماعة .
قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا إجمال وبيانه ( فقلت : يا رسول الله إنا نبعث ) أي نرسل ( الكلاب المعلمة ) بفتح اللام المشددة وهي التي يوجد فيها ثلاثة أشياء إذا شليت أي أرسلت أشلشلت إذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل فإذا تعدد ذلك منها كانت معلمة وأقله مرتين عند أبي حنيفة وأحمد وثلاث مرات عند الشافعي ولا يشترط ذلك عند المالكية وقال الحسن يصير معلمة بالمرة الواحدة فيحل قتيلها إذا جرحت بإرسال صاحبها له ( فنأكل مما أمسكت علينا فقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلّم ( إذا ذكرت اسم الله عليه ) أي عند إرسالها وهذا شرط عند أبي حنيفة في حال الذكر فإن تركها ناسيا حل أو عامدا فلا وقال الشافعي منه وقال داود والشعبي والنخعي وأبو ثور شرطي في الإباحة ممن تركها عامدا او ناسيا لم تؤكل ذبيحنه ( ما لم يشتركها كلب غيرها ) بتسمية أو بدونها ( فأنت ) أي كل منها ( وإن قتل ) بعد إمساكهما من غير مشاركة غيرها ( فلا تأكل وإن قتله يا رسول الله أحدنا يرمي بالمعرض ) بكسر الميم سهم بلا ريش ( قال : إذا رميت ) أي أردت أن ترمي ( فسميت الله فخرق ) أي جرح ( فكل فإن أصاب بعرضه ) أي ولم يخرق ( فلا تأكل ) .
وصدر الحديث رواه البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل أخبرنا ثابت بن زيد عن عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلّم : قال : إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وإذا خالطه كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به الأثر ( إلا أثر سهمك ) فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل ( 1 ) واعلم أن العلماء اختلفوا فيما إذا أخذت الصيد وأكلت منه شيئا فذهب أكثر العلماء إلى تحريمه .
وبه قال أبو حنيفة وعطاء وطاوس والثوري والشعبي وهو أصح قولي الشافعي لقوله E : " وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " ورخص بعضهم في أكله .
وبه قال مالك لما روي عن أبي الثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه .
وبه ( عن حماد عن إبراهيم ) أي النخعي ( عن همام بن الحارث عن عائشة قالت كنت أفرك ) بفتح الراء وقد يضم أي أدلك ( المني ) أي اليابس ( من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) وفي صحيح أبي عوانة عن عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( إذا كان يابسا وأمسحه أو أغسله ) شك الحميدي ( إذا كان رطبا ) ورواه الدارقطني وأغسله من غير شك وفي مسلم أنه E كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه وروى الدارقطني عن عمار بن ياسر قال أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا على بئر أدلو في ماء ركوة قال يا عمار ما تصنع قلت يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نجاسة أصابته فقال يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس : من الغائط والبول والقيء والدم والمني يا عمار ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء .
فهذا كله يدل على كون المني نجسا وإن يابسه يطهر بالفرك ورطبه بالغسل وهو قول أبي حنيفة .
وقال مالك يغسل بالماء رطبا كان أو يابسا والأصح من مذهب الشافعي وأحمد طهارة المني واستدلا بما روى الدارقطني موقوفا على ابن عباس روي مرفوعا ولا ثبت أخرجه البيهقي من طريق الشافعي موقوفا وقال هو الصحيح .
وبه ( عن حماد عن إبراهيم عن همام بن الحارث أنه رأى جرير بن عبد الله ) أي البجلي قال : أسلمت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلّم بأربعين يوما نزل الكوفة وسكنها زمانا ثم انتقل إلى فرضياء مات بها سنة إحدى وخمسين روى عنه خلق كثير ( توضأ ومسح على خفيه فسأله ) أي همام ( عن ذلك ) أي جوازه حضرا أو سفرا ( فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنما صحبته بعد ما نزلت المائدة ) فآية الوضوء فيها لم تكن ناسخة بل المسح محمول على حال لبس الخف كما أن الغسل محمول على حال كشف الرجل وبه يجمع بين القراءتين فإن الآية في الجملة مجملة وفعله E كأقواله لأحكام القرآن مبينة قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } ( 2 ) وأحاديث المسح على الخفين كاد أن يكون متواترا بل هو متواترا في المعنى وقد أجمعوا على جواز المسح عليهما في السفر والحضر إلا مالك في رواية عنه أنه لا يجوز في الحضر وخالفهم الخوارج والروافض .
_________ .
( 1 ) البخاري باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة حديث رقم 16 .
( 2 ) النحل 44