والساعة : المقدار من الزمان والأكثر أن تطلق على الزمن القصير إلا بقرينة وتقدم عند قوله تعالى ( لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) في سورة الأعراف .
ووجه الشبه بين حال زمن لبثهم في القبور وبين لبث ساعة من النهار وجوه : هي التحقق والحصول بحيث لم يمنعهم طول الزمن من الحشر وأنهم حشروا بصفاتهم التي عاشوا عليها في الدنيا فكأنهم لم يفنوا . وهذا اعتبار بعظيم قدرة الله على إرجاعهم .
والمقصود من التشبيه التعريض بإبطال دعوى المشركين إحالتهم البعث بشبهة أن طول اللبث وتغير الأجساد ينافي إحياءها ( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة إذا كنا عظاما نخرة ) .
وجملة ( يتعارفون بينهم ) حال من الضمير المنصوب في ( نحشرهم ) .
والتعارف : تفاعل من عرف أي يعرف كل واحد منهم يومئذ من كان يعرفه في الدنيا ويعرفه الآخر كذلك .
والمقصود من ذكر هذه الحال كالمقصود من ذكر حالة ( كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) لتصوير أنهم حشروا على الحالة التي كانوا عليها في الدنيا في أجسامهم وإدراكهم زيادة في بيان إبطال إحالتهم البعث بشبهة أنه ينافي تمزق الأجسام في القبور وانطفاء العقول بالموت .
فظهر خسرانهم يومئذ بأنهم نفوا البعث فلم يستعدوا ليومه بقبول ما دعاهم إليه الرسول A .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة يونس .
سميت في المصاحف وفي كتب التفسير والسنة سورة يونس لأنها انفردت بذكر خصوصية لقوم يونس أنهم آمنوا بعد أن توعدهم رسولهم بنزول العذاب فعفا الله عنهم لما آمنوا . وذلك في قوله تعالى ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) . وتلك الخصوصية كرامة ليونس عليه السلام وليس فيها ذكر ليونس غير ذلك . وقد ذكر يونس في سورة الصافات بأوسع مما في هذه السورة ولكن وجه التسمية لا يوجبها .
والأظهر عندي أنها أضيفت إلى يونس تمييزا لها عن أخواتها الأربع المفتتحة ب ( ألر ) . ولذلك أضيفت كل واحدة منها إلى نبي أو قوم نبي عوضا عن أن يقال : آلر الأولى وألر الثانية . وهكذا فإن اشتهار السور بأسمائها أول ما يشيع بين المسلمين بأولى الكلمات التي تقع فيها وخاصة إذا كانت فواتحها حروفا مقطعة فكانوا يدعون تلك السور بآل حم وآل ألر ونحو ذلك .
وهي مكية في قول الجمهور . وهو المروي عن ابن عباس في الأصح عنه . وفي الإتقان عن عطاء عنه أنها مدنية . وفي القرطبي عن ابن عباس أن ثلاث آيات منها مدنية وهي قوله تعالى ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك إلى قوله حتى يروا العذاب الأليم ) وجزم بذلك القمي النيسابوري . وفي ابن عطية عن مقاتل إلا آيتين مدنيتين هما ( فإن كنت في شك إلى قوله من الخاسرين ) . وفيه عن الكلبي أن آية واحدة نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى ( ومنهم من يؤمن به إلى أعلم بالمفسدين ) نزلت في شأن اليهود .
وقال ابن عطية : قالت فرقة : نزل نحو من أربعين آية من أولها بمكة ونزل باقيها بالمدينة . ولم ينسبه إلى معين . وأحسب أن هذه الأقوال ناشئة عن ظن أن ما في القرآن من مجادلة مع أهل الكتاب لم ينزل إلا بالمدينة فإن كان كذلك فظن هؤلاء مخطئي . وسيأتي التنبيه عليه .
وعدد آيها مائة وتسع آيات في عد أكثر الأمصار ومائة وعشر في عد أهل الشام .
وهي السورة الحادية والخمسون في ترتيب نزول السور . نزلت بعد سورة بني إسرائيل وقبل سورة هود . وأحسب أنها نزلت سنة إحدى عشرة بعد البعثة لما سيأتي عند قوله تعالى ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ) .
من أغراض هذه السورة .
ابتدئت بمقصد إثبات رسالة محمد A بدلالة عجز المشركين عن معارضة القرآن دلالة نبه عليها بأسلوب تعريضي دقيق بني على الكناية بتهجية الحروف المقطعة في أول السورة كما تقدم في مفتتح سورة البقرة ولذلك أتبعت تلك الحروف بقوله تعالى ( تلك آيات الكتاب الحكيم ) إشارة إلى أن إعجازه لهم هو الدليل على أنه من عند الله . وقد جاء التصريح بما كني عنه هنا في قوله ( قل فأتوا بسورة مثله ) .
وأتبع بإثبات رسالة محمد A وإبطال إحالة المشركين أن يرسل الله رسولا بشرا