جواب عن قولهم ( لولا يأتينا بآية من ربه ) وما بينهما اعتراض . والمعنى : كل فريق متربص فأنتم تتربصون بالإيمان أي تؤخرون الإيمان إلى أن تأتيكم آية من ربي ونحن نتربص أن يأتيكم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة وتفرع عليه جملة ( فتربصوا ) . ومادة الفعل المأمور به مستعملة في الدوام بالقرينة نحو ( يا أيها الذين آمنوا . آمنوا بالله ورسوله ) أي فدوموا على تربصكم .
وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار ويسمى المتاركة أي نترككم وتربصكم لأنا مؤمنون بسوء مصيركم . وفي معناه قوله تعالى ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) . وفي ما يقرب من هذا جاء قوله ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ) .
وتنوين " كل " تنوين عوض عن المضاف إليه المفهوم من المقام كقول الفضل بن عباس اللهبي : .
كل له نية في بغض صاحبه ... بنعمة الله نقليكم وتقلونا والتربص : الانتظار . تفعل من البص وهو انتظار حصول حدث من خير أو شر وقد تقدم في سورة براء .
وفرغ على المتاركة إعلامهم بأنهم يعلمون في المستقبل من من الفريقين أصحاب الصراط المستقيم ومن هم المهتدون . وهذا تعريض بأن المؤمنين هم أصحاب الصراط المستقيم المهتدون لأن مثل هذا الكلام لا يقوله في مقام المحاجة والمتاركة إلا الموقن بأنه المحق .
وفعل ( تعلمون ) معلق عن العمل لوجود الاستفهام .
والصراط : الطريق . وهو مستعار هنا للدين والاعتقاد كقوله ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
والسوي : فعيل بمعنى مفعول أي الصراط السوى وهو مشتق من التسوية .
والمعنى : يحتمل أنهم يعلمون ذلك في الدنيا عند انتشار الإسلام وانتصار المسلمين فيكون الذين يعلمون ذلك من يبقى من الكفار المخاطبين حين نزول الآية سواء ممن لم يسلموا مثل أبي جهل وصناديد المشركين اللذين شاهدوا نصر الدين يوم بدر أو من أسلموا مثل أبي سفيان وخالد بن الوليد ومن شاهدوا عزة الإسلام . ويحتمل أنهم يعلمون ذلك في الآخرة علم اليقين .
وقد جاءت خاتمة هذه السورة كأبلغ خواتم الكلام لإيذانها بانتهاء المحاجة وانطواء بساط المقارعة .
ومن محاسنها : أن فيها شبيه رد العجز على الصدر لأنها تنظر إلى فاتحة السورة . وهي قوله ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى ) لأن الخاتمة تدل على أنه قد بلغ كل ما بعث به من الإرشاد والاستدلال فإذا لم يهتدوا به فكفاه انثلاج صدر أنه أدى الرسالة والتذكرة فلم يكونوا من أهل الخشية فتركهم وضلالهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الأنبياء .
سماها السلف ( سورة الأنبياء ) . ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : " بنو إسرائيل والكهف ومريم طه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي " . ولا يعرف لها اسم غير هذا .
ووجه تسميتها سورة الأنبياء أنها ذكر فيها أسماء ستة عشر نبيا ومريم ولم يأت في سورة القرآن مثل هذا العدد من أسماء الأنبياء في سورة من سور القرآن عدا ما في سورة الأنعام . فقد ذكر فيها أسماء ثمانية عشر نبيا في قوله تعالى : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) إلى قوله : ( ويونس ولوطا ) فإن كانت سورة الأنبياء هذه نزلت قبل سورة الأنعام فقد سبقت بالتسمية بالإضافة إلى الأنبياء وإلا فاختصاص سورة الأنعام بذكر أحكام الأنعام أوجب تسميتها بذلك الاسم فكانت سورة الأنبياء أجدر من بقية سور القرآن بهذه التسمية على أن من الحقائق المسلمة أن وجه التسمية لا يوجبها .
وهي مكية بالاتفاق . وحكي ابن عطية والقرطبي الإجماع على ذلك ونقل السيوطي في الإتقان استثناء قوله تعالى : ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ) ولم يعزه إلى قائل . ولعله أخذه من رواية عن مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن المعنى ننقصها بفتح البلدان أي بناء على أن المراد من الرؤية في الآية الرؤية البصرية وأن المراد من الأرض أرض الحجاز وأن المراد من النقص نقص سلطان الشرك منها . وكل ذلك ليس بالمتعين ولا بالراجح . وسيأتي بيانه في موضعه . وقد تقدم بيانه في نظيرها من سورة الرعد التي هي أيضا مكية بالأرجح أن سورة الأنبياء مكية كلها