وجيء بالموصول للإيماء إلى أن الصلة سبب الخبر . ومعنى ( جاهدوا فينا ) جاهدوا في مرضاتنا والدين الذي اخترناه لهم . والظرفية مجازية يقال : هي ظرفية تعليل تفيد مبالغة في التعليل .
والهداية : الإرشاد والتوفيق بالتيسير القلبي والإرشاد الشرعي أي لنزيدنهم هدى وسبل الله : الأعمال الموصلة إلى رضاه وثوابه ؛ شبهت بالطرق الموصلة إلى منزل الكريم المكرم للضيف .
والمراد بالمحسنين جميع الذين كانوا محسنين أي كان عمل الحسنات شعارهم وهو عام . وفيه تنويه بالمؤمنين بأنهم في عداد من مضى من الأنبياء والصالحين . وهذا أوقع في إثبات الفوز لهم مما لو قيل : فأولئك المحسنون لأن في التمثيل بالأمور المقررة المشهورة تقريرا للمعاني ولذلك جاء في تعليم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) .
والمعية : هنا مجاز في العناية والاهتمام بهم .
والجملة في معنى التذييل بما فيها من معنى العموم . وإنما جيء بها معطوفة للدلالة على أن المهم من سوقها هو ما تضمنته من أحوال المؤمنين فعطفت على حالتهم الأخرى وأفادت التذييل بعموم حكمها .
وفي قوله ( لنهدينهم سبلنا ) إيماء إلى تيسير طريق الهجرة التي كانوا يتأهبون لها أيام نزول هذه السورة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الروم .
هذه السورة تسمى سورة الروم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما في حديث الترمذي عن ابن عباس ونيار بن مكرم الأسلمي وسيأتي قريبا في تفسير الآية الأولى من السورة . ووجه ذلك أنه ورد فيها ذكر اسم الروم ولم يرد في غيرها من القرآن .
وهي مكية كلها بالاتفاق حكاه ابن عطية والقرطبي ولم يذكرها صاحب الإتقان في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري : أن هذه السورة نزلت يوم بدر فتكون عنده مدنية . قال أبو سعيد : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا بذلك فنزلت ( الم غلبت الروم ) إلى قوله ( بنصر الله ) وكان يقرؤها ( غلبت ) بفتح اللام وهذا قول لم يتابعه أحد وأنه قرأ ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) بالبناء للنائب ونسب مثل هذه القراءة إلى علي وابن عباس وابن عمر . وتأولها أبو السعود في تفسيره آخذا من الكشاف بأنها إشارة إلى غلب المسلمين على الروم . قال أبو السعود : وغلبهم المسلمون في غزوة مؤتة سنة تسع .
وعن ابن عباس كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان . وعن الحسن البصري أن قوله تعالى ( فسبحان الله حين تمسون ) الآية مدنية بناء على أن تلك الآية تشير إلى الصلوات الخمس وهو يرى أن الصلوات الخمس فرضت بالمدينة وأن الذي كان فرضا قبل الهجرة هو ركعتان في أي وقت تيسر للمسلم . وهذا مبني على شذوذ .
وهي السورة الرابعة والثمانون في تعداد نزول السور نزلت بعد سورة الانشقاق وقبل سورة العنكبوت . وقد روي عن قتادة وغيره أن غلب الروم على الفرس كان في عام بيعة الرضوان ولذلك استفاضت الروايات وكان بعد قتل أبي بن خلف يوم أحد .
واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة . ومن قال : إن ذلك كان بعد تسع سنين بتقديم التاء المثناة فقد حمل على التصحيف كما رواه القرطبي عن القشيري يقتضي أن نزول سورة الروم كان في إحدى عشرة قبل الهجرة لأن بيعة الرضوان كانت في سنة ست بعد الهجرة . وعن أبي سعيد الخذري أن انتصار الروم على فارس يوافق يومه يوم بدر .
وعدد آيها في عد أهل المدينة وأهل مكة تسع وخمسون . وفي عدد أهل الشام والبصرة والكوفة ستون