ولك أن تجعل ضمير " أنه " عائدا على الإنسان وتجعل عمومه مخصوصا بالإنسان الكافر تخصيصا بالعقل لظهور أن الظلوم الجهول هو الكافر .
أو تجعل في ضمير ( أنه ) استخداما بأن يعود إلى الإنسان مرادا به الكافر وقد أطلق لفظ الإنسان في مواضع كثيرة من القرآن مرادا به الكافر كما في قوله تعالى ( ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا ) الآية وقوله ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) الآيات .
وفي ذكر فعل ( كان ) إشارة إلى أن ظلمه وجهله وصفان متأصلان فيه لأنهما الغالبان على أفراده الملازمان لها كثرة أو قلة .
فصيغتا المبالغة منظور فيهما إلى الكثرة والشدة في أكثر أفراد النوع الإنساني والحكم الذي يسلط على الأنواع والأجناس والقبائل يراعى فيه الغالب وخاصة في مقام التحذير والترهيب . وهذا الإجمال يبينه قوله عقبه ( ليعذب الله المنافقين ) إلى قوله ( ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ) فقد جاء تفصيله بذكر فريقين : أحدهما : مضيع للأمانة والآخرة مراع لها .
ولذلك أثنى الله على الذين وفوا بالعهود والأمانات فقال في هذه السورة ( وكان عهد الله مسئولا ) وقال فيها ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا عليه ) وقال ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ) وقال في ضد ذلك ( وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) إلى قوله ( أولئك هم الخاسرون ) .
( ليعذب الله المنفقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما [ 73 ] ) متعلق بقوله ( وحملها الإنسان ) لأن المنافقين والمشركين والمؤمنين من أصناف الإنسان . وهذه اللام للتعليل المجازي المسماة لام العاقبة . وقد تقدم القول فيها غير مرة إحداها قوله تعالى ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) في آل عمران .
والشاهد الشائع فيها هو قوله تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) وعادة النحاة وعلماء البيان يقولون : إنها في معنى فاء التفريع : وإذ قد كان هذا عاقبة لحمل الإنسان الأمانة وكان فيما تعلق به لام التعليل إجمال تعين أن هذا يفيد بيانا لما أجمل في قوله ( إنه كان ظلوما جهولا ) كما قدمناه آنفا أي فكان الإنسان فريقين : فريقا ظالما جاهلا وفريقا راشد عالما .
والمعنى : فعذب الله المنافقين والمشركين على عدم الوفاء بالأمانة التي تحملوها في أصل الفطرة وبحسب الشريعة وتاب على المؤمنين فغفر من ذنوبهم لأنهم وفوا بالأمانة التي تحملوها . وهذا مثل قوله فيما مر ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ) أي كما تاب كلى المؤمنين بأن يندموا على ما فرط من نفاقهم فيخلصوا الإيمان فيتوب الله عليهم وقد تحقق ذلك في كثير منهم .
وإظهار اسم الجلالة في قوله ( ويتوب الله ) وكان الظاهر إضماره لزيادة العناية بتلك التوبة لما في الإظهار في مقام الإضمار من العناية .
وذكر المنافقات والمشركات والمؤمنات مع المنافقين والمشركين والمؤمنين في حين الاستغناء عن ذلك بصيغة الجمع التي شاع في كلام العرب شموله للنساء نحو قولهم : حل ببني فلان مرض يريدون وبنسائهم .
فذكر النساء في الآية إشارة إلى أن لهن شأنا كان في حوادث غزوة الخندق من إعانة لرجالهن على كيد المسلمين وبعكس ذلك حال نساء المسلمين .
وجملة ( وكان الله غفورا رحيما ) بشارة للمؤمنين والمؤمنات بأن الله عاملهم بالغفران وما تقتضيه صفة الرحمة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة سبأ .
هذا اسمها الذي اشتهرت به في كتب السنة وكتب التفسير وبين القراءة ولم أقف على تسميتها في عصر النبوة . ووجه تسميتها به أنها ذكرت فيها أهل سبأ