وعقب ذلك بجملة ( وله الكبرياء في السماوات والأرض ) للإشارة إلى أن استدعاءه خلقه لحمده إنما هو لنفعهم وتزكية نفوسهم فإنه غني عنهم كما قال ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ) .
وتقديم المجرور في ( وله الكبرياء ) مثله في ( فلله الحمد ) . والكبرياء : الكبر الحق الذي هو كمال الصفات وكمال الوجود .
ثم أتبع ذلك بصفتي ( العزيز الحكيم ) لأن العزة تشمل معاني القدرة والاختيار والحكمة تجمع معاني تمام العلم وعمومه .
وبهذه الخاتمة آذن الكلام بانتهاء السورة فهو من براعة خواتم السور .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الأحقاف .
A E سميت هذه السورة ( سورة الأحقاف ) في جميع المصاحف وكتب السنة ووردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبد الله بن عباس . روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال " أقرأني رسول الله سورة من آل حم وهي الأحقاف " وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين .
وكذلك وردت تسميتها في كلام عبد الله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود " قال : أقرأني رسول الله سورة الأحقاف " الحديث .
وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها قلا يعد من أسمائها . ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .
ووجه تسميتها ( الأحقاف ) ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن .
وهي مكية قال القرطبي : باتفاق جميعهم وفي إطلاق كثير من المفسرين . وبعض المفسرين نسبوا استثناء آيات منها الى بعض القائلين فحكى ابن عطية استثناء آيتين هما قوله تعالى ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ) إلى ( الظالمين ) فإنها أشارت إلى إسلام عبد الله بن سلام وهو إنما أسلم بعد الهجرة وقوله ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) . وفي الإتقان ثلاثة أقوال باستثناء آيات ثلاث منها الاثنتان اللتان ذكرهما ابن عطية والثالثة ( ووصينا الإنسان بوالديه ) إلى قوله ( خاسرين ) . وسيأتي ما يقتضي أنها نزلت بعد مضي عامين من البعثة وأسانيد جميعها متفاوتة . وأقواها ما روي في الآية الأولى منها وسنبين ذلك عند الكلام عليها في مواضعها .
وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات .
وعدت آيها عند جمهور أهل الأمصار أربعا وثلاثين وعدها أهل الكوفة خمسا وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن ( حم ) تعتبر آية مستقلة أو لا .
أغراضها .
من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افتتحت مثل سورة الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه منزل من عند الله .
والاستدلال بإتقان خلق السماوات والأرض على التفرد بالإلهية وعلى إثبات جزاء الأعمال .
والإشارة إلى وقوع الجزاء بعد البعث وأن هذا العالم صائر إلى فناء .
وإبطال الشركاء في الإلهية . والتدليل على خلوهم عن صفات الإلهية .
وإبطال أن يكون القرآن من صنع غير الله .
وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستشهاد الله تعالى على صدق رسالته واستشهاد شاهد بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام .
والثناء على الذين آمنوا بالقرآن وذكر بعض خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدهم الذي بعثهم على تكذيبه .
وذكرت معجزة إيمان الجن بالقرآن .
وختمت السورة بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأقحم في ذلك معاملة الوالدين والذرية مما هو من خلق المؤمنين وما هو من خلق أهل الضلالة .
والعبرة بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة وأن الله أخذهم بكفرهم وأهلك أمما أخرى فجعلهم عظة للمكذبين وأن جميعهم لم تغن عنهم أربابهم المكذوبة .
وقد أشبهت كثيرا من أغراض سورة الجاثية مع تفنن .
( حم [ 1 ] ) تقدم القول في نظيره في أول سورة غافر .
وهذه جملة مستقلة مثل نظائرها من الحروف المقطعة في أوائل من سور القرآن .
( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم [ 2 ] ) تقدم القول في نظيره في أول الجاثية .
( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون [ 3 ] )