وأما الكتاب فأصله اسم جنس مطلق ومعهود . وباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا قال تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) وقال ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) وإنما سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة فأشبه التوراة لأنها كانت مكتوبة في زمن الرسول المرسل بها وأشبه الإنجيل الذي لم يكتب في زمن الرسول الذي أرسل به ولكنه كتبه بعض أصحابه وأصحابهم ولأن الله أمر رسوله أن يكتب كل ما أنزل عليه منه ليكون حجة على الذين يدخلون في الإسلام ولم يتلقوه بحفظ قلوبهم . وفي هذه التسمية معجزة للرسول A بأن ما أوحي إليه سيكتب في المصاحف قال تعالى ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها ) . وقال ( وهذا كتاب مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) وغير ذلك ولذلك اتخذ النبي A من أصحابه كتابا يكتبون ما أنزل إليه ؛ من أول ما ابتدئ نزوله ومن أولهم عبد الله ابن سعد بن أبي سرح وعبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان . وقد وجد جميع ما حفظه المسلمون في قلوبهم على قدر ما وجدوه مكتوبا يوم أمر أبو بكر بكتابة المصحف .
وأما الذكر فقال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) أي لتبينه للناس وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به .
وأما الوحي فقال تعالى ( قل إنما أنذركم بالوحي ) ووجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي A بواسطة الملك وذلك الإلقاء يسمى وحيا لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر .
وأما كلام الله فقال تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) .
واعلم أن أبا بكر Bه لما أمر بجمع القرآن وكتابته كتبوه على الورق فقال للصحابة : التمسوا اسما فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوا ذلك من أجل النصارى وقال بعضهم سموه السفر فكرهوه من أجل أن اليهود يسمون التوراة السفر . فقال عبد الله ابن مسعود : رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه مصحفا " يعني أنه رأى كتابا غير الإنجيل " .
آيات القرآن .
الآية : هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا فقولي ولو تقديرا لإدخال قوله تعالى ( مدهامتان ) إذ التقدير هما مدهامتان ونحو ( والفجر ) إذ التقدير أقسم بالفجر . وقولي أو إلحاقا : لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة فقد عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا : آلر وآلمر وطس وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة ولا يظهر فرق بينها وبين غيرها . وتسمية هذه الأجزاء آيات هو من مبتكرات القرآن قال تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) وقال ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ) . وإنما سميت آية لأنها دليل على أنها موحى بها من عند الله إلى النبي A لأنها تشتمل على ما هو من الحد الأعلى في بلاغة نظم الكلام ولأنها لوقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر إذ قد تحدى النبي به أهل الفصاحة والبلاغة من أهل اللسان العربي فعجزوا عن تأليف مثل سورة من سوره .
فلذا لا يحق لجمل التوراة والإنجيل أن تسمى آيات إذ ليست فيها هذه الخصوصية في اللغة العبرانية والآرامية . وأما ما ورد في حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من قول الراوي " فوضع الذي نشر التوراة يده على آية الرجم " فذلك تعبير غلب على لسان الراوي على وجه المشاكلة التقديرية تشبيها بجمل القرآن إذ لم يجد لها اسما يعبر به عنها .
وتحديد مقادير الآيات مروي عن النبي A وقد تختلف الرواية في بعض الآيات وهو محمول على التخيير في حد تلك الآيات التي تختلف فيها الرواية في تعيين منتهاها ومبتدإ ما بعدها . فكان أصحاب النبي A على علم من تحديد الآيات . قلت وفي الحديث الصحيح " أن فاتحة الكتاب السبع المثاني " أي السبع الآيات . وفي الحديث " من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران " الحديث . وهي الآيات التي أولها ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب ) إلى آخر السورة .
A E