ويجوز أن تكون الواو للاستئناف وتكون الجملة استئنافا بيانيا ناشئا عن الترخيص في ترك بعض القيام إرشادا من الله لما يسد مسد قيام الليل الذي يعرض تركه بأن يستغفر المسلم ربه إذا انتبه من أجزاء الليل وهو مشمول لقوله تعالى ( وبالأسحار هم يستغفرون ) وقال النبي A " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " . وقال " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا هو إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له " .
وجملة ( إن الله غفور رحيم ) تعليل للآمر بالاستغفار أي لأن الله كثير المغفرة شديد الرحمة . والمقصود في هذا التعليل الترغيب والتحريض على الاستغفار بأنه مرجو الإجابة . وفي الإتيان بالوصفين الدالين على المبالغة في الصفة إيماء إلى الوعد بالإجابة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة المدثر .
تسمى في كتب التفسير ( سورة المدثر ) وكذلك سميت في المصاحف التي رأيناها ومنها كتب في القيروان في القرن الخامس .
وأريد بالمدثر النبي A موصوفا بالحالة التي ندي بها كما سميت بعض السور بأسماء الأنبياء الذين ذكروا فيها .
وأما تسمية باللفظ الذي وقع فيها ونظيره ما تقدم في تسمية ( سورة المزمل ) ومثله ما تقدم في سورة المجادلة من احتمال فتح الدال أو كسرها .
وهي مكية حكى الاتفاق على ذلك ابن عطية والقرطبي ولم يذكرها في الإتقان في السور التي بعضها مدني . وذكر الآلوسي أن صاحب التحرير " محمد بن النقيب المقدسي المتوفى سنة 698 له تفسير " ذكر قول مقاتل أو قوله تعالى ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة ) الخ نزل بالمدينة اه . ولم نقف على سنده في ذلك ولا رأينا ذلك لغيره وسيأتي .
قيل إنها ثانية السور نزولا وإنها لم ينزل قبلها إلا سورة ( اقرأ باسم ربك ) وهو الذي جاء في حديث عائشة في الصحيحين في صفة بدأ الوحي " أن النبي A جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) إلى ( ما لم يعلم ) ثم قالت : ثم فتر الوحي " . فلم تذكر نزول وحي بعد آيات ( اقرأ باسم ربك ) .
وكذلك حديث جابر بن عبد الله من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن من طرق كثيرة وبألفاظ يزيد بعضها على بعض . وحاصل ما يجتمع من طرقه : قال جابر بن عبد الله وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه " إن النبي A قال : فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئت منه رعبا فأتيت خديجة فقلت : دثروني فدثروني " زاد غير ابن شهاب من روايته " وصبوا علي ماء باردا فدثروني وصبوا علي ماء باردا " . قال النووي : صب الماء لتسكين الفزع . فأنزل الله ( يا أيها المدثر ) إلى ( والرجز فأهجر ) ثم حمي الوحي وتتابع اه .
ووقع في صحيح مسلم عن جابر " أنها أول القرآن سورة المدثر وهو الذي يقول في حديثه أن رسول الله يحدث عن فترة الوحي وإنما تقع الفترة بين شيئين فتقتضي وحيا نزل قبل سورة المدثر وهو ما بين في حديث عائشة .
وقد تقدم في صدر سورة المزمل قول جابر بن زيد : أن سورة القلم نزلت بعد سورة العلق وأن سورة المزمل ثالثة وأن سورة المدثر رابعة .
وقال جابر بن زيد : نزلت بعد المدثر سورة الفاتحة . ولا شك أن سورة المدثر نزلت قبل المزمل وأن عناد المشركين كان قد تزايد بعد نزول سورة المدثر فكان التعرض لهم في سورة المزمل أوسع .
وقد وقع في حديث جابر بن عبد الله في صحيح البخاري وجامع الترمذي من طريق ابن شهاب إن نزول هذه السورة كان قبل أن تفرض الصلاة .
A E