يجوز أن يكون عطفا على قوله ( للمكذبين ) والتقدير : والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فإن ( ال ) الداخلة على الأوصاف المشتقة بمنزلة اسم الموصول غالبا ولذلك جعلها النحاة في عداد أسماء الموصول وجعلوا الوصف الداخلة عليه صلة لها .
ويجوز أن يكون عطفا على جملة ( كلوا وتمتعوا قليلا ) والانتقال من الخطاب إلى الغيبة التفات .
وعلى كلا الوجهين فهو من الإدماج لينعى عليهم مخالفتهم المسلمين في الأعمال الدالة على الإيمان الباطن فهو كناية عن عدم إيمانهم لأن الصلاة عماد الدين ولذلك عبر عن المشركين ب ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) .
A E والمعنى : إذا قيل لهم آمنوا واركعوا لا يؤمنون ولا يركعون كما كني عن عدم الإيمان لما حكي عنهم في الآخرة ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) إلى آخره .
ويجوز أن يكون عطفا على قوله ( إنكم مجرمون ) .
وعلى الوجوه كلها يفيد تهديدهم لأنه معطوف على التكذيب أو على الإجرام وكلاهما سبب للتهديد بجزاء السوء في يوم الفصل .
وليس في الآية دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لعدم تعين معنى المصلين للذين يقيمون الصلاة .
( ويل يومئذ للمكذبين [ 49 ] ) هذه الجملة مثل نظيرها الموالية هي له إذ يجوز أن تكون متصلة بقوله ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) ويكون التعبير ب ( المكذبين ) إظهار في مقام الإضمار لقصد وصفهم بالتكذيب . والتقدير : ويل يومئذ لهم أو لكم فهي تهديد ناشئ عن جملة ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) ويكون اليوم المشار إليه ب ( يومئذ ) الزمان الذي يفيده ( إذا ) من قوله ( وإذا قيل لهم اركعوا ) الذي يجازى فيه بالويل للمجرمين الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون أي لا يؤمنون وتفيد مع ذلك تقريرا وتأكيدا لنظيرها المذكور ثانيا في هذه السورة .
( فبأي حديث بعده يؤمنون [ 50 ] ) الفاء فصيحة تنبئ عن شرط مقدر تقديره : إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده يؤمنون وقد دل على تعيين هذا المقدر ما تكرر في آيات ( ويل يومئذ للمكذبين ) فإن تكذيبهم بالقرآن وما جاء فيه من وقوع البعث .
والاستفهام مستعمل في الإنكار التعجيبي من حالهم أي إذا لم يصدقوا بالقرآن مع وضوح حجته فلا يؤمنون بحديث غيره .
والمقصود أن القرآن بالغ الغاية في وضوح الدلالة ونهوض الحجة فالذين لا يؤمنون به لا يؤمنون بكلام يسمعونه عقب ذلك .
وقوله ( بعده ) يجوز أن يجعل صفة حديث فهو ظرف مستقر والمراد بالبعدية : تأخر الزمان ويقدر معنى بالغ أو مسموع بعد بلوغ القرآن أو سماعه سواء كان حديثا موجودا قبل نزول القرآن أو حديثا يوجد بعد القرآن فليس المعنى أنهم يؤمنون بحديث جاء قبل القرآن مثل التوراة والإنجيل وغيرهما من المواعظ والأخبار بل المراد أنهم لا يؤمنون بحديث غيره بعد أن لم يؤمنوا بالقرآن لأنه لا يقع إليهم كلام أوضح دلالة وحجة من القرآن .
ويجوز أن يكون ( بعده ) متعلقا ب ( يؤمنون ) فهو ظرف لغو ويبقى لفظ ( حديث ) منفيا بلا قيد وصف أنه بعد القرآن والمعنى : لا يؤمنون بعد القرآن بكل حديث .
وضمير بعده عائد إلى القرآن ولم يتقدم ما يدل عليه في هذه السورة ليكون معادا للضمير ولكنه اعتبر كالمذكور لأنه ملحوظ لأذهانهم كل يوم من أيام دعوة النبي A إياهم به .
وتقدم نظير هذه الآية في أواخر سورة الأعراف فضمه إلى ما هنا .
ويجوز أن يكون ضمير بعده عائدا إلى القول المأخوذ من ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) فإن أمرهم بالركوع الذي هو كناية عن الإيمان كان بأقوال القرآن .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة النبأ .
سميت هذه السورة في أكثر المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة ( سورة النبإ ) لوقوع كلمة ( النبأ ) في أولها .
وسميت في بعض المصاحف وفي صحيح البخاري وفي تفسير ابن عطية والكشاف ( سورة عم يتساءلون ) . وفي تفسير القرطبي سماها ( سورة عم ) أي بدون زيادة ( يتساءلون ) تسمية لها بأول جملة فيها .
وتسمى ( سورة التساؤل ) لوقوع ( يتساءلون ) في أولها . وتسمى ( سورة المعصرات ) لقوله تعالى فيها ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) . فهذه خمسة أسماء . واقتصر الإتقان على أربعة أسماء : عم والنبأ والتساؤل والمعصرات .
وهي مكية بالاتفاق