وفي إضافة ( منذر ) إلى ( من يخشاها ) أو نصبه به أيجاز حذف تقديره : منذرها فينتذر من يخشاها وقرينة ذلك حالية للعلم المتواتر من القرآن بأن النبي A كان ينذر جميع الناس لا يخص قوما دون آخرين فإن آيات الدعوة من القرآن ومقامات دعوة النبي A لم تكن إلا عامة ولا يعرف من يخشى الساعة إلا بعد أن يؤمن المؤمن ولو عرف أحد بعينه أنه لا يؤمن أبدا لما وجهت إليه الدعوة فتعين أن المراد : أنه لا ينتفع بالإنذار إلا من يخشى الساعة ومن عداه تمر الدعوة بسمعه فلا يأبه بها فكان ذكر ( من يخشاها ) تنويها بشأن المؤمنين وإعلانا لمزيتهم وتحقيرا للذين بقوا على الكفر قال تعالى ( وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير ) .
وعلى هذا القانون يفهم لماذا وجه هذا الخطاب بالإيمان إلى ناس قد علم الله أنهم لا يؤمنون وكشف الواقع على أنهم هلكوا ولم يؤمنوا مثل صناديد قريش أصحاب القليب قليب بدر مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة ولماذا وجه الخطاب بطلب التقوى ممن علم الله أنه لا يتقي مثل دعار العرب الذين أسلموا ولم يتركوا العدوان والفواحش ومثل أهل الردة الذين لم يكفروا منهم ولكنهم أصروا على منع الزكاة وقاتلهم أبو بكر Bه فمن مات منهم في ذلك فهو ممن لم يتق الله لأن ما في علم الله لا يبلغ الناس إلى علمه ولا تظهر نهايته إلا بعد الموت وهي المسألة المعروفة عند المتكلمين من أصحابنا بمسألة الموافاة .
( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا عشية أو ضحاها [ 46 ] ) جواب عما تضمنه قوله ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى تكذيب وقوعها فأجيبوا على طريقة الأسلوب الحكيم أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وأنهم يوم وقوعها كأنه ما لبثوا في انتظار إلا بعض يوم .
والعشية : معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه وهو مستفاد من ( كأنهم ) فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى التشبيه من المتعارف .
A E وقوله ( أو ضحاها ) تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى ( أو كصيب من السماء ) في سورة البقرة . وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية .
وإضافة ( ضحى ) إلى ضمير ( العشية ) جرى على استعمال عربي شائع في كلامهم . قال الفراء : أضيف الضحى إلى العشية وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب يقولون : آتيك الغداة أو عشيتها وآتيك العشية أو غداتها وأنشدني بعض بني عقيل : .
نحن صبحنا عامرا في دارها ... جردا تعادى طرفي نهارها عشية الهلال أو سرارها أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية فهو أشد من : ( آتيك الغداة أو عشيتها ) اه .
ومسوغ الإضافة أن الضحى أسبق من العشية إذ لا تقع عشية إلا بعد مرور ضحى فصار ضحى ذلك اليوم يعرف بالإضافة إلى عشية اليوم لأن العشية أقرب إلى علم الناس لأنهم يكونون في العشية بعد أن كانوا في الضحى فالعشية أقرب والضحى أسبق .
وفي هذه الإضافة أيضا رعاية على الفواصل التي هي على حرف الهاء المفتوحة من ( أيان مرساها ) .
وبانتهاء هاته السورة انتهت سور طوال المفصل التي مبدؤها سورة الحجرات .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة عبس .
سميت هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة ( سورة عبس ) .
وفي أحكام ابن العربي عنونها " سورة ابن أم مكتوم " . ولم أر هذا لغيره . وقال الخفاجي : تسمى " سورة الصاخة " . وقال العيني في شرح صحيح البخاري تسمى " سورة السفرة " وتسمى سورة " الأعمى " وكل ذلك تسمية بألفاظ وقعت فيها لم تقع في غيرها من السور أو بصاحب القصة التي كانت سبب نزولها .
ولم يذكرها صاحب الإتقان في السور التي لها أكثر من اسم وهو عبس .
وهي مكية بالاتفاق .
وقال في العارضة : لم يحقق العلماء تعيين النازل بمكة من النازل بالمدينة في الجملة ولا يحقق وقت إسلام ابن أم مكتوم اه . وهو مخالف لاتفاق أهل التفسير على أنها مكية فلا محصل لكلام ابن العربي .
وعدت الرابعة والعشرين في ترتيب نزول السور . نزلت بعد سورة والنجم وقبل سورة القدر