ويجوز أن تكون حالا . والمقصود التكميل والاحتراس في معنى لمن شاء منكم أن يستقسم أي ولمن شاء له ذلك من العالمين وتقدم في آخر سورة الإنسان قوله تعالى ( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ) .
والفرق بينهما أن في هذه الآية وصف الله تعالى ب ( رب العالمين ) وهو مفيد التعليل لارتباط مشيئة من شاء الاستقامة من العالمين لمشيئة الله ذلك لأنه رب العالمين فهو الخالق فيهم دواعي المشيئة وأسباب حصولها المتسلسلة وهو الذي أرشدهم للاستقامة على الحق وبهذا الوصف ظهر مزيد الاتصال بين مشيئة الناس الاستقامة بالقرآن وبين كون القرآن ذكرا للعالمين .
وأما آية سورة الإنسان فقد ذيلت ( بأن الله كان عليما حكيما ) أي فهو بعلمه وحكمته ينوط مشيئته لهم الاستقامة بمواضع صلاحيتهم لها فيفيد أن من لم يشأ أن يتخذ إلى ربه سبيلا قد حرمه الله تعالى من مشيئته الخير بعلمه وحكمته كناية عن شقائهم .
و ( ما ) نافية والاستثناء من مصادر محذوفة دل عليها قوله ( إلا أن يشاء الله ) وتقدم بيان ذلك في سورة الإنسان .
وفي هذه الآية وآية سورة الإنسان إفصاح عن شرف أهل الاستقامة بكونهم بمحل العناية من ربهم إذا شاء لهم الاستقامة وهيأهم لها وهذه العناية بمعنى عظيم تحير أهل العلم في الكشف عنها فمنهم من تطوح به إلى الجبر ومنهم من ارتمى في وهدة القدر ومنهم من اعتدل فجزم بقوة للعباد حادثة يكون بها اختيارهم لسلوك الخير أو الشر فسماها بعض هؤلاء قدرة حادثة وبعضهم سماها كسبا . وحملوا ما خالف ذلك من ظواهر الآيات والأخبار على مقام تعليم الله عباده التأدب مع جلاله .
وهذا أقصى ما بلغت إلية الأفهام القويمة في مجامل متعارض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية . ومن ورائه سلك دقيق يشده قد تقصر عنه الأفهام .
A E بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الانفطار .
سميت هذه السورة ( سورة الانفطار ) في المصاحف ومعظم التفاسير .
وفي حديث رواه الترمذي عن ابن عمر قال " قال رسول الله A من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت " . قال الترمذي : حديث حسن غريب . وقد عرفت ما فيه من الاحتمال في أول سورة التكوير .
وسميت في بعض التفاسير ( سورة إذا السماء انفطرت ) وبهذا الاسم عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . ولم يعدها صاحب الإتقان مع السور ذات أكثر من اسم وهو " الانفطار " .
ووجه التسمية وقوع جملة ( إذا السماء انفطرت ) في أولها فعرفت بها .
وسميت في قليل من التفاسير ( سورة انفطرت ) وقيل تسمى ( سورة المنفطرة ) أي السماء المنفطرة .
وهي مكية بالاتفاق .
وهي معدودة الثانية والثمانين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة النازعات وقبل سورة الانشقاق .
وعدد آيها تسع عشرة آية .
أغراضها .
واشتملت هذه السورة على : إثبات البعث وذكر أهوال تتقدمه .
وإيقاظ المشركين للنظر في الأمور التي صرفتهم عن الاعتراف بتوحيد الله تعالى وعن النظر في دلائل وقوع البعث والجزاء .
والأعلام بأن الأعمال محصاة . وبيان جزاء الأعمال خيرها وشرها .
وإنذار الناس بأن لا يحسبوا شيئا ينجيهم من جزاء الله إياهم على سيء أعمالهم .
( إذا السماء انفطرت [ 1 ] وإذا الكواكب انتثرت [ 2 ] وإذا البحار فجرت [ 3 ] وإذا القبور بعثرت [ 4 ] علمت نفس ما قدمت وأخرت [ 5 ] ) الافتتاح ب ( إذا ) افتتاح مشوق لما يرد بعدها من متعلقها الذي هو جواب ما في ( إذا ) من معنى الشرط كما تقدم في أول سورة إذا الشمس كورت سوى أن الجمل المتعاطفة المضاف إليها هي هنا أقل من اللآتي في سورة التكوير لأن المقام لم يقتض تطويل الإنطاب كما اقتضاه المقام في سورة التكوير وإن كان في كلتيهما مقتض الإنطاب لكنه متفاوت لأن سورة التكوير من أول السور نزولا كما علمت آنفا .
وأما سورة الانفطار فبينها وبين سورة التكوير أربع وسبعون سورة تكرر في بعضها إثبات البعث والجزاء والإنذار وتقرر عند المخاطبين فأغنى تطويل الإطناب والتهويل .
و ( إذا ) ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط .
والمعربون يقولون : خافض لشرطه منصوب بجوابه وهي عبارة عن حسنة جامعة