اعتراض بين جملة ( بل الذين كفروا يكذبون ) . وجملة ( فبشرهم بعذاب أليم ) وهو كناية عن الإنذار والتهديد بأن الله يجازيهم بسوء طويتهم .
ومعنى ( بما يوعون ) بما يضمرون في قلوبهم من العناد مع علمهم بأن ما جاء به القرآن حق ولكنهم يظهرون التكذيب به ليكون صدودهم عنه مقبولا عند أتباعهم وبين مجاوريهم .
وأصل معنى الإيعاء : جعل الشيء وعاء والوعاء بكسر الواو الظرف لأنه يجمع فيه ثم شاع إطلاقه على جمع الأشياء لئلا تفوت وصارا مشعرا بالتقتير ومنه قوله تعالى ( وجمع فأوعى ) وفي الحديث " لا توعي فيوعي الله عليك " واستعمل في هذه الآية في الإخفاء لأن الإيعاء يلتزم الإخفاء فهو هنا مجاز مرسل .
( فبشرهم بعذاب أليم [ 24 ] ) تفريع على جملة ( بل الذين كفروا يكذبون ) .
وفعل ( بشرهم ) مستعار للإنذار والوعيد على طريقة التهكم لأن حقيقة التبشير : الإخبار بما يسر وينفع . فلما علق بالفعل عذاب أليم كانت قرينة التهكم كنار على علم وهو من قبيل قول عمرو بن كلثوم : .
قريناكم فعجلنا قراكم ... قبيل الصبح مرداة طحونا ( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحات لهم أجر غير ممنون [ 25 ] ) يجوز أن يكون الاستثناء متصلا : إما على إنه استثناء من الضمير في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) جريا على تأويله بركوب طباق الشدائد والأهوال يوم القيامة وما هو في معنى ذلك من التهديد .
وإما على أنه استثناء من ضمير الجمع في ( فبشرهم ) والمعنى إلا الذين يؤمنون من الذين هم مشركون الآن كقوله تعالى ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) وقوله في سورة البروج ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ) الآية وفعل ( آمنوا ) على هذا الوجه مراد به المستقبل وعبر عنه بالماضي للتنبيه على معنى : من تحقق إيمانهم وما بينهما من قوله ( فما لهم لا يؤمنون ) إلى هنا تفريع معترض بين المستثنى والمستثنى منه خص به الأهم ممن شملهم عموم ( لتركبن طبقا عن طبق ) .
وقيل هو استثناء منقطع من ضمير ( فبشرهم ) فهو داخل في التبشير المستعمل في التهكم زيادة في إدخال الحزن عليهم . فحرف ( إلا ) بمنزلة ( لكن ) والاستدراك به لمجرد المضادة لا لدفع توهم إرادة ضد ذلك ومثل ذلك كثير في الاستدراك وأما تعريف بعضهم الاستدراك بأنه تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه فهو تعريف تقريبي .
وجملة ( لهم أجر غير ممنون ) استئناف بياني كأن سائلا سأل : كيف حالهم يوم يكون أولئك في عذاب أليم ؟ والأجر غير الممنون هو الذي يعطاه صاحبه مع كرامة بحيث لا يعرض له بمنة كما أشار إليه قوله تعالى ( جزاء بما كانوا يعملون ) ونحوه مما ذكر فيه مع الجزاء سببه والمعنى : أن أجرهم سرور لهم لا تشوبه شائبة كدر فإن المن ينغص الإنعام قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) وقال النابغة : .
علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب ومن نوابغ الكلم للعلامة الزمخشري : طعم الآلاء أحلى من المن . وهو أمر من الآلاء مع المن .
ويجوز أن يكون ( غير ممنون ) بمعنى غير مقطوع يقال : مننت الحبل إذا قطعه قال تعالى ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) .
A E سأل نافع بن الأزرق الخارجي عبد الله بن عباس عن قوله ( غير ممنون ) فقال : غير مقطوع فقال : هل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم قد عرفه أخو يشكر " يعني الحارث بن حلزة " حيث يقول : .
فترى خلفهن من سرعة الرج ... ع منينا كأنه أهباء المنين : الغبار لأنها تقطعه وراءها . بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة البروج .
روى أحمد عن أبي هريرة " أن رسول الله A كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج " . وهذا ظاهر في أنها تسمى ( سورة السماء ذات البروج ) لأنه لم يحك لفظ القرآن إذ لم يذكر الواو .
وأخرج أحمد أيضا عن أبي هريرة " أن رسول الله A أمر أن يقرأ في العشاء بالسماوات " أي السماء ذات البروج والسماء والطارق فمجمعهما جمع سماء وهذا يدل على أن اسم السورتين : سورة السماء ذات البروج سورة السماء والطارق .
وسميت في المصاحف وكتب السنة وكتب التفسير ( سورة البروج ) .
وهي مكية باتفاق