ومعدودة السابعة والعشرين في تعداد نزول السور نزلت بعد سورة ( والشمس وضحاها ) وسورة ( التين ) .
وآيها اثنتان وعشرون آية .
من أغراض هذه السورة .
ابتدئت أغراض هذه السورة بضرب المثل للذين فتنوا المسلمين بمكة بأنهم مثل قوم فتنوا فريقا ممن آمن بالله فجعلوا أخدودا من نار لتعذيبهم ليكون المثل تثبيتا للمسلمين وتصبيرا لهم على أذى المشركين وتذكيرهم بما جرى على سلفهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم ينلهم مثله ولم يصدهم ذلك عن دينهم .
وإشعار المسلمين بأن قوة الله عظيمة فسيلقى المشركون جزاء صنيعهم ويلقى المسلمون النعيم الأبدي والنصر .
والتعريض للمسلمين بكرامتهم عند الله تعالى .
وضرب المثل بقوم فرعون وبثمود وكيف كانت عاقبة أمرهم ما كذب الرسل فحصلت العبرة للمشركين في فتنهم المسلمين وفي تكذيبهم الرسول A والتنويه بشأن القرآن .
( والسماء ذات البروج [ 1 ] واليوم الموعود [ 2 ] وشاهد ومشهود [ 3 ] قتل أصحاب الأخدود [ 4 ] النار ذات الوقود [ 5 ] إذ هم عليها قعود [ 6 ] وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود [ 7 ] وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [ 8 ] الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد [ 9 ] ) في افتتاح السورة بهذا القسم تشويق إلى ما يرد بعده وإشعار بأهمية المقسم عليه وهو مع ذلك يلفت ألباب السامعين إلى الأمور المقسم بها لأن بعضها من دلائل عظيم القدرة الإلهية المقتضية تفرد الله تعالى بالإلهية وإبطال الشريك وبعضها مذكر بيوم البعث الموعود ورمز إلى تحقيق وقوعه إذ القسم لا يكون إلا بشيء ثابت الوقوع وبعضها بما فيه من الإبهام يوجه أنفس السامعين إلى تطلب بيانه .
ومناسبة القسم لما أقسم عليه أن المقسم عليه تضمن العبرة بقصة أصحاب الأخدود ولما كانت الأخاديد خطوطا مجعولة في الأرض مستعرة بالنار أقسم على ما تضمنها بالسماء بقيد صفة من صفاتها التي يلوح بها للناظرين في نجومها ما أسماه العرب بروجا وهي تشبه دارات متلألئة بأنوار النجوم اللامعة الشبيهة بتلهب النار .
والقسم بالسماء بوصف ذات البروج يتضمن قسما بالأمرين معا لتلتفت أفكار المتدبرين إلى ما في هذه المخلوقات وهذه الأحوال من دلالة على عظيم القدرة وسعة العلم الإلهي إذ خلقها على تلك المقادير المضبوطة لينتفع بها الناس في مواقيت الأشهر والفصل . كما قال تعالى في نحو هذا ( ذلك لتعتموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ) .
وأما مناسبة القسم باليوم الموعود فلأنه يوم القيامة باتفاق أهل التأويل لأن الله وعد بوقوعه قال تعالى ( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) مع ما في القسم به من إدماج الإيماء إلى وعيد أصحاب القصة المقسم على مضمونها ووعيد أمثالهم المعرض بهم .
ومناسبة القسم ( وشاهد ومشهود ) على اختلاف تأويلاته ستذكر عند ذكر التأويلات وهي قريبة من مناسبة القسم باليوم الموعود ويقابله في المقسم عليه قوله ( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) .
A E والبروج : تطلق على علامات من قبة الجو يتراءى للناظر أن الشمس تكون في سمتها مدة شهر من أشهر السنة الشمسية فالبروج : اسم منقول من اسم البرج بمعنى القصر لأن الشمس تنزله أو منقول من البرج بمعنى الحصن .
والبرج السماوي يتألف من مجموعة نجوم قريب بعضها من بعض لا تختلف أبعادها أبدا . وغنما سمي برجا لأن المصطلحين تخيلوا أن الشمس تحل فيه مدة فهو كالبرج أي القصر أو الحصن ولما وجدوا كل مجموعة منها يخال منها شكل لو أحيط بإطار لخط مفروض لأشبه محيطها محيط صورة تخيلية لبعض الذوات من حيوان أو نبات أو آلات ميزوا بعض تلك البروج من بعض بإضافته إلى اسم ما تشبهه تلك الصورة تقريبا فقالوا : برج الثور برج الدلو برج السنبلة مثلا .
وهذه البروج هي في التحقيق : سموت تقابلها الشمس في فلكها مدة شهر كامل من أشهر السنة الشمسية يوقتون بها الأشهر والفصول بموقع الشمس نهارا في المكان الذي تطلع فيه نجوم تلك البروج ليلا وقد تقدم عند قوله تعالى ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا ) في سورة الفرقان