( إن إلينا إيابهم [ 25 ] ثم إن علينا حسابهم [ 26 ] ) A E تعليل لجملة ( لست عليهم بمصيطر ) أي لست مكلفا بجبرهم عل التذكر والإيمان لأنا نحاسبهم حين رجوعهم إلينا في دار البقاء . وقد جاء حرف ( إن ) على استعماله المشهور إذا جيء به لمجرد الاهتمام دون رد إنكار فإنه يفيد مع ذلك تعليلا وتسببا كما يقدم غير مرة وتقدم عند قوله ( إنك أنت العليم الحكيم ) في سورة البقرة .
والإاب : بتخفيف الياء الأوب أي الرجوع إلى المكان الذي صدر عنه . أطلق على الحضور في حضرة القدس يوم الحشر تشبيها له بالرجوع إلى المكان الذي خرج منه ملاحظة أن الله خالق الناس خلقهم الأول فشبهت إعادة خلقهم وإحضارهم لديه برجوع المسافر إلى مقره كما قال تعالى ( يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ) .
وتقديم خبر ( إن ) على اسمها يظهر أنه لمجرد الاهتمام تحقيقا لهذا الرجوع لأنهم ينكرونه وتنبيها على إمكانه بأنه رجوع إلى الذي أنشأهم أول مرة .
ونقل الكلام من أسلوب الغيبة في قوله ( فيعذبه الله ) إلى أسلوب التكلم بقوله ( إلينا ) على طريقة الالتفات .
وقرأ أبو جعفر ( إيابهم ) بتشديد الياء . فعن ابن جني هو مصدر على وزن فعال مصدر : أيب بوزن فيعل من الأوب مثل حوقل . فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فقيل : إياب .
وعطفت جملة ( إن علينا حسابهم ) بحرف ( ثم ) لإفادة التراخي الرتبي فإن حسابهم هو الغرض من إيابهم وهو أوقع في تهديدهم على التولي .
ومعنى ( على ) من قوله ( علينا حسابهم ) أن حسابهم لتأكده في حكمة الله يشبه الحق الذي فرضه الله على نفسه .
وهذه الجملة هي المقصود من التعليل التي قبلها بمعنى التمهيد لها والإدماج لإثبات البعث . وفي ذلك إيذان بأن تأخير عقابهم إمهال فلا يحسبوه انفلاتا من العقاب .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الفجر .
لم يختلف في تسمية هذه السورة ( سورة الفجر ) بدون الواو في المصاحف والتفاسير وكتب السنة .
وهي مكية باتفاق سوى ما حكى ابن عطية عن أبي عمرو الداني أنه حكى عن بعض العلماء وأنها مدنية .
وقد عدت العاشرة في عداد نزول السور . نزلت بعد سورة الليل وقبل سورة الضحى .
وعدد آيها اثنتان وثلاثون عند أهل العدد بالمدينة ومكة عدوا قوله ( ونعمه ) منتهى آية وقوله ( رزقه ) منتهى آيه . ولم يعدها غيرهم منتهى آية وهي ثلاثون عند أهل العدد بالكوفة والشام وعند أهل البصرة تسع وعشرون .
فأهل الشام عدوا ( بجهنم ) منتهى آية . وأهل الكوفة عدوا ( في عبادي ) منتهى آية .
أغراضها حوت من الأغراض ضرب المثل لمشركي أهل مكة في إعراضهم عن قبول رسالة ربهم بمثل عاد وثمود وقوم فرعون .
وإنذارهم بعذاب الآخرة .
وتثبيت النبي A مع وعده باضمحلال أعدائه .
وإبطال غرور المشركين من أهل مكة إذ يحسبون أن ما هم فيه من النعيم علامة على أن الله أكرمهم وأن ما فيه المؤمنون من الخصاصة علامة على أن الله أهانهم .
وأنهم أضاعوا شكر الله على النعمة فلم يواسوا ببعضها على الضعفاء وما زادتهم إلا حرصا على التكثر منها .
وأنهم يندمون يوم القيامة على أن لم يقدموا لأنفسهم من الأعمال ما ينتفعون به يوم لا ينفع نفس مالها ولا ينفعها إلا إيمانها وتصديقها بوعد ربها . وذلك ينفع المؤمنين بمصيرهم إلى الجنة .
( والفجر [ 1 ] وليال عشر [ 2 ] والشفع والوتر [ 3 ] واليل إذا يسر [ 4 ] ) القسم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعة قدرته فيما أوجد من نظام يظاهر بعضه بعضا من ذلك وقت الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار ووقت الليل الذي تمخضت فيه الظلمة . وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادة الله وحده مثل الليالي العشر والليالي الشفع والليالي الوتر .
والمقصود من هذا القسم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المقسم ربه على ما تضمنه كلامه .
وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد .
والكلام موجه إلى النبي A كما دل عليه قوله ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) وقوله ( إن ربك لبالمرصاد ) .
ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين