ووصف ( النفس ) ب ( المطمئنة ) ليس وصفا للتعريف ولا للتخصيص أي لتمييز المخاطبين بالوصف الذي يميزهم عمن عداهم فيعرفون أنهم المخاطبون المأذونون بدخول الجنة لأنهم لا يعرفون أنهم مطمئنون إلا بعد الإذن لهم بدخول الجنة فالوصف مراد به الثناء والإيماء إلى وجه بناء الخبر . وتبشير من وجه الخطاب إليهم بأنهم مطمئنون آمنون . ويجوز أن يكون للتعريف أو التخصيص بأن يجعل الله إلهاما في قلوبهم يعرفون به أنهم مطمئنون . والاطمئنان : مجاز في طيب النفس وعدم ترددها في مصيرها بالاعتقاد الصحيح فيهم حين أيقنوا في الدنيا بأن ما جاءت به الرسل حق فذلك اطمئنان في الدنيا ومن أثره اطمئنانهم يوم القيامة حين يرون مخائل الرضى والسعادة نحوهم ويرون ضد ذلك نحو أهل الشقاء .
وقد فسر الاطمئنان : بيقين وجود الله ووحدانيته وفسر باليقين بوعد الله وبالاخلاص في العمل ولا جرم أن ذلك كله من مقومات الاطمئنان المقصود فمجموعه مراد وأجزاؤه مقصودة وفسر بتبشيرهم بالجنة أي قبل ندائهم ثم نودوا بأن يدخلوا الجنة .
والرجوع يحتمل الحقيقية والمجاز كما عملت من الوجوه المتقدمة في معنى الآية .
والراضية : التي رضت بما أعطيته من كرامة وهو كناية عن إعطائها كل ما تطمح إليه .
A E والمرضية : اسم مفعول وأصله : مرضيا عنها فوقع فيه الحذف والإيصال فصار نائب فاعل بدون حرف الجر والمقصود من هذا الوصف زيادة الثناء مع الكناية عن الزيادة في إفضاء الإنعام لأن المرضي عنه يزيده الراضي عنه من الهبات والعطايا فوق ما رضي به هو .
وفرع على هذه البشرى الإجمالية تفصيل ذلك بقوله ( فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي ) فهو تفصيل بعد الإجمال لتكرير إدخال السرور على أهلها .
والمعنى : ادخلي في زمرة عبادي . والمراد العباد الصالحون بقرينة مقام الإضافة مع قرنه بقوله ( جنتي ) . ومعنى هذا كقوله تعالى ( لندخلنهم في الصالحين ) .
فالظرفية حقيقة وتؤول إلى معنى المعية كقوله تعالى ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .
وإضافة ( جنة ) إلى ضمير الجلالة إضافة تشريف كقوله ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) .
وهذه الإضافة هي مما يزيد الالتفات إلى ضمير التكلم حسنا بعد طريقة الغيبة بقوله ( ارجعي إلى ربك ) .
وتكرير فعل ( وادخلي ) فلم يقل : فادخلي جنتي في عبادي للاهتمام بالدخول بخصوصه تحقيقا للمسرة لهم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة البلد .
سميت هذه السورة في ترجمتها عن صحيح البخاري ( سورة لا أقسم ) وسميت في المصاحف وكتب التفسير ( سورة البلد ) . وهو إما على حكاية اللفظ الواقع في أولها لإرادة البلد المعروف وهو مكة .
وهي مكية وحكى الزمخشري والقرطبي الاتفاق عليه واقتصر عليه معظم المفسرين وحكى ابن عطية عن قوم : أنها مدنية . ولعل هذا قول من فسر قوله ( وأنت حل بهذا البلد ) أن الحل الإذن له في القتال يوم الفتح وحمل ( وأنت حل ) على معنى : وأنت الآن حل وهو يرجع إلى ما روى القرطبي عن السدي وأبي صالح وعزي لابن عباس . وقد أشار في الكشاف إلى إبطاله بأن السورة نزلت بمكة بالاتفاق وفي رده بذلك مصادرة فالوجه أن يورد بأن في قوله ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) إلى قوله ( فلا اقتحم العقبة ) ضمائر غيبة يتعين عودها إلى الإنسان في قوله ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وإلا لخلت الضمائر عن معاد . وحكى في الإتقان قولا أنها مدنية إلا الآيات الأربع من أولها .
وقد عدت الخامسة والثلاثين في عدد نزول السور نزلت بعد سورة ق وقبل سورة الطارق .
وعدد آيها عشرون آية .
أغراضها .
حوت من الأغراض التنويه بمكة . وبمقام النبي A بها . وبركته فيها وعلى أهلها .
والتنويه بأسلاف النبي A من سكانها الذين كانوا من الأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل أو من أتباع الحنيفية مثل عدنان ومضر كما سيأتي .
والتخلص إلى ذم سيرة أهل الشرك . وإنكارهم البعث . وما كانوا عليه من التفاخر المبالغ فيه وما أهملوه من شكر النعمة على الحواس ونعمة النطق ونعمة الفكر ونعمة الإرشاد فلم يشكروا ذلك بالبذل في سبل الخير وما فرطوا فيه من خصال الإيمان وأخلاقه .
ووعيد الكافرين وبشارة الموقنين