فهذه الآية في عسر خاص يعرض للنبي A وآية سورة الطلاق عامة وللبعدية فيها مراتب متفاوتة .
فالتعريف في ( العسر ) تعريف العهد أي العسر الذي عهدته وعلمته وهو من قبيل ما يسميه نحاة الكوفة بأن ( ال ) فيه عوض عن المضاف إليه نحو قوله تعالى ( فإن الجنة هي المأوى ) أي فإن مع عسرك يسرا فتكون الصورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبي A عند ربه تعالى .
وعد الله تعالى نبيه A بأن الله جعل الأمور العسرة عليه يسرة له وهو ما سبق ووعده له بقوله ( ونيسرك لليسرى ) .
وحرف ( أن ) للاهتمام بالخبر .
وإنما لم يستغن بها عن الفاء كما يقول الشيخ عبد القاهر : ( إن ) تغني غناء فاء التسبب لأن الفاء هنا أريد بها الفصيحة مع التسبب فلو أقتصر على حرف ( أن ) لفات معنى الفصيحة .
وتنكير ( يسرا ) للتعظيم أي مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر ويجوز أن يكون هذا وعد للنبي A ولأمته لأنما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شؤون دعوته للدين ولصالح المسلمين .
وروى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحسن عن النبي إنما لما نزلت هذه الآية ( فإن مع العسر يسرا ) قال رسول الله A " ابشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " فاقتضى أن الآية غير خاصة بالنبي A بل تعمه وأمته . وفي الموطأ " أنا أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر : " أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين " .
وروى ابن أبي حاتم والبزار في مسنده عن عائذ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول " كان النبي A جالسا وحياله حجر فقال : لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه فأنزل الله D ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) . قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال ابن كثير : وقد قال أبو حاتم الرازي : في حديث عائذ ابن شريح ضعف .
وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفا . ويجوز أن تكون جملة ( فإن مع العسر يسرا ) معترضة بين جملة ( ورفعنا لك ذكرك ) وجملة ( فإذا فرغت فانصب ) تنبيها على أن الله لطيف بعباده فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وإنه لولا ذلك لهلك الناس قال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ) .
وروي عن ابن عباس يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين اه .
والعسر : المشقة في تحصيل المرغوب والعمل المقصود .
واليسر ضده وهو : سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .
وجملة ( إن مع العسر يسرا ) مؤكدة لجملة ( فإن مع العسر يسرا ) وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب .
ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا وفي الجملة الثانية يسر الآخرة وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه لأنه متمحض لكون الثانية تأكيدا .
هذا وقول النبي A " لن يغلب عسر يسرين " قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية . وصرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ وتضافر المفسرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كلمة ( يسر ) وإعادتها منكرة وقالوا : إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول كقوله تعالى ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) .
وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس وهي أيضا في إعادة اللفظ في جملة أخرى والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان بل هي تكرير للجملة الأولى فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ وقد أبطله من قبل أبو على الحسين الجرجاني في كتاب النظم كما في معالم التنزيل . وأبطله صاحب الكشاف أيضا وجعل ابن هشام في المغنى اللبيب تلك القاعدة خطأ .
A E