واعلم أن الفاء في قوله ( فانصب ) وقوله ( فارغب ) رابطة للفعل لأن تقديم المعمول يتضمن معنى الاشتراط والتقييد فأن تقديم المعمول لما أفاد الاختصاص نشأ منه معنى الاشتراط وهو كثير في الكلام قال تعالى ( بل الله فاعبد ) وقال : ( وربك فكبر وثيابك فطر والرجز فاهجر ) وفي تقديم المجرور قال تعالى ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) وقال النبي A لمن سأل منه أن يخرج للجهاد " ألك أبوان ؟ قال نعم : قال ففيهما فجاهد " . بل قد يعامل معاملة الشرط في الإعراب كما روي قول النبي A " كما تكونوا يول عليكم " بجزم الفعلين وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى ( فبذلك فليفرحوا ) في سورة يونس .
وذكر الطيبي عن أمالي السيد " يعني ابن الشجري " أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب كلامهم لأن الفاء تعطف أو تدخل في الجواب وما أشبه الجواب بالاسم الناقص أو في صلة الوصول الفعلية " لشبهها بالجواب " وهي هنا خارجة عما وضعت له اه . ولا يبقى تعجب بعد ما قررناه .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة التين .
سميت في معظم كتب التفسير ومعظم المصاحف ( سورة والتين ) بإثبات الواو تسمية بأول كلمة فيها . وسماها بعض المفسرين ( سورة التين ) بدون الواو لأن فيها لفظ ( التين ) كما قالوا ( سورة البقرة ) وبذلك عنونها الترمذي وبعض المصاحف .
وهي مكية عند أكثر العلماء قال ابن عطية : ل أعرف في ذلك خلافا بين المفسرين ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور المختلف فيها . وذكر القرطبي عن قتادة أنها مدنية ونسب أيضا إلى ابن عباس والصحيح عن ابن عباس أنه قال : هي مكية .
وعدت الثامنة والعشرين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة البروج وقبل سورة الإيلاف .
وعدد آياتها ثمان .
أغراضها .
احتوت هذه السورة على التنبيه بأن الله خلق الإنسان على الفطرة المستقيمة ليعلموا أن الإسلام هو الفطرة كما قال في الآية الأخرى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وأن ما يخالف أصوله بالأصالة أو بالتحريف فساد وضلال ومتبعي ما يخالف الإسلام أهل ضلالة .
والتعريض بالوعيد للمكذبين بالإسلام .
والإشارة بالأمور المقسم بها إلى أطوار الشرائع الأربعة إيماء إلى أن الإسلام جاء مصدقا لها وأنها مشاركة أصولها لأصول دين الإسلام .
والتنويه بحسن جزاء الذين اتبعوا الإسلام في أصوله وفروعه .
وشملت الامتنان على الإنسان بخلقه على أحسن نظام في جثمانه ونفسه .
( والتين والزيتون [ 1 ] وطور سينين [ 2 ] وهذا البلد الأمين [ 3 ] لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [ 4 ] ثم رددنه أسفل سافلين [ 5 ] ) ابتداء الكلام بالقسم المؤكد يؤذن بأهمية الغرض المسوق له الكلام وإطالة القسم تشويق إلى المقسم عليه .
والتين ظاهرة : الثمرة المشهورة بهذا الاسم وهي ثمرة يشبه شكلها شكل الكمثرى ذات قشر لونه أزرق إلى السواد تتفاوت أصنافه في قتومة قشره سهلة التقشير تحتوي على مثل وعاء أبيض في وسطه عسل طيب الرائحة مخلوط ببزور دقيقة مثل السمسم الصغير وهي من أحسن الثمار صورة وطعما وسهولة مضغ فحالتها دالة على دقة صنع الله ومؤذنة بعلمه وقدرته فالقسم بها لأجل دلالتها إلى صفات إلهية كما يقسم بالاسم لدلالته على الذات مع الإيذان بالمنة على الناس إذ خلق لهم هذه الفاكهة التي تنبت في كل البلاد والتي هي سهلة النبات لا تحتاج إلى كثرة عمل وعلاج .
والزيتون أيضا ظاهره : الثمرة المشهورة ذات الزيت الذي يعصر منها فيطعمه الناس ويستصبحون به . والقسم بها كالقسم بالتين من حيث إنها دالة على صفات الله مع الإشارة إلى نعمة خلق هذه الثمرة النافعة الصالحة التي تكفي الناس حوائج طعامهم وإضاءتهم