القسم الأول ـ شرائط الرهن .
فصل : و أما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى نفس الرهن و بعضها يرجع إلى الراهن و المرتهن و بعضها يرجع إلى المرهون و بعضها يرجع إلى المرهون به أما الذي يرجع إلى نفس الرهن فهو أن لا يكون معلقا بشرط و لا مضافا إلى وقت لأن في الرهن و الارتهان معنى الايفاء و الاستيفاء فيشبه البيع و إنه لا يحتمل التعليق بشرط و الإضافة إلى وقت كذا هذا .
و أما الذي يرجع إلى الراهن و المرتهن فعقلهما حتى لا يجوز الرهن و الارتهان من المجنون و الصبي الذي لا يعقل فأما البلوغ فليس بشرط و كذا الحرية حتى يجوز من الصبي المأذون و العبد المأذون لأن ذلك من توابع التجارة فيملكه من يملك التجارة و لأن الرهن و الارتهان من باب إيفاء الدين و استيفائه و هما يملكان ذلك و كذا السفر ليس بشرط لجواز الرهن فيجوز الرهن في السفر و الحضر جميعا لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقرض بالمدينة من يهودي طعاما و رهنه به درعه و كان ذلك رهنا في الحضر و لأن ما شرع له الرهن و هو الحاجة إلى توثيق الدين يوجد في الحالين و هو الرهن عن تواء الحق بالجحود و الإنكار و تذكره عند السهو و النسيان و التنصيص على السفر في كتاب الله تعالى D ليس لتخصيص الجواز بل هو إخراج الكلام مخرج العادة كقوله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } و أما الذي يرجع إلى الموهون فأنواع : منها أن يكون محلا قابلا للبيع و هو أن يكون موجودا وقت العقد مالا مطلقا مملوكا معلوما مقدور التسليم و نحو ذلك فلا يجوز رهن ما ليس بموجود عند العقد و لا رهن ما يحتمل الوجود و العدم كما إذا رهن ما يثمر نخيله العام أو ما تلد أغنامه السنة أو ما في بطن هذه الجارية و نحو ذلك و لا رهن الميتة و الدم لانعدام ماليتهما و لا رهن صيد الحرم و الإحرام لأنه ميتة و لا رهن الحر لأنه ليس بمال أصلا و لا رهن أم الولد و المدير المطلق و المكاتب لأنهم أحرار من وجه فلا يكونون أموالا مطلقة و لا رهن الخمر و الخنزير من المسلم سواء كان العاقدان مسلمين أو أحدهما مسلم لانعدام مالية الخمر و الخنزير في حق المسلم و هذا لأن الرهن إيفاء الدين و الإرتهان استيفاؤه و لا يجوز للمسلم إيفاء الدين من الخمر و استيفاؤه إلا أن الراهن إذا كان ذميا كانت الخمر مضمونة على المسلم المرتهن لأن الرهن إذا لم يصح كانت الخمر بمنزلة المغضوب في يد المسلم و خمر الذمي مضمون على المسلم بالغصب و إذا كان الراهن مسلما و المرتهن ذميا لا تكون مضمونة على أحد .
و أما في حق أهل الذمة فيجوز رهن الخمر و الخنزير و ارتهانهما منهم لأن ذلك مال متقوم في حقهم بمنزلة الخل و الشاة عندنا و لا رهن المباحات من الصيد و الحطب و الحشيش و نحوها لأنها ليست بمملوكة في أنفسها .
فأما كونه مملوكا للراهن فليس بشرط لجواز حتى يجوز رهن مال الغير بغير إذنه بولاية شرعية كالأب الوصي يرهن مال الصبي بدينه و بدين نفسه لأن الرهن لا يخلو إما أن يجري مجرى الإيداع و إما أن يجري مجرى المبادلة و الأب يلي كل واحد منهما في مال الصغير فإنه يبيع مال الصغير بدين نفسه و يودع مال الصغير فإن هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفتكه الأب هلك بالأقل من قيمته و مما رهن به لأن الرهن وقع صحيحا و هذا حكم الرهن الصحيح و ضمن الأب قدر ما سقط من الدين بهلاك الرهن لأنه قضى دين نفسه بمال ولده فيضمن فلو أدرك الولد و الرهن قائم عند المرتهن فليس له أن يسترده قبل قضاء القاضي لما ذكرنا أن الرهن وقع صحيحا لوقوعه عن ولاية شرعية فلا يملك الولد نقضه و لكن يؤمر الأب بقضاء الدين ورد الرهن على ولده لزوال ولايته بالبلوغ .
و لو قضى الولد دين أبيه و افتك الرهن لم يكن متبرعا و يرجع بجميع ما قضى على أبيه لأنه مضطر إلى قضاء الدين إذ لا يمكنه الوصول إلى ملكه إلا بقضاء الدين كله فكان مضطرا فيه فلم يكن متبرعا بل يكون مأمورا بالقضاء من قبل الأب دلالة فكان له أن يرجع عليه بما قضى كما لو استعار من إنسان عبده ليرهنه بدين نفسه فرهن ثم إن المعير قضى دين المستعير و افتك الرهن أنه يرجع بجميع ما قضى على المستعير لما قلنا كذا هذا .
و كذلك حكم الوصي في جميع ما ذكرنا حكم الأب و إنما يفترقان في فصل آخر و هو أنه يجوز للأب أن يرتهن مال الصغير بدين ثبت على الصغير و إذا هلك يهلك بالأقل من قيمته و من الدين و إذا أدرك الولد ليس له أن يسترده إذا كان الأب يشهد على الارتهان و إن كان لم يشهد على ذلك لم يصدق عليه بعد الإدراك إلا بتصديق الولد و يجوز له أن يرهن ماله عند ولده الصغير بدين للصغير عليه و يحبسه لأجل الولد و إذا هلك بعد ذلك فيهلك بالأقل من قيمته و من الدين إذا كان أشهد عليه قبل الهلاك و إن كان لم يشهد عليه قبل الهلاك لم يصدق إلا أن يصدقه الولد بعد الإدراك و الوصي لو فعل هذا من اليتيم لا يجوز رهنه و لا ارتهانه .
أما على أصل محمد فلا يشكل لأنه لا يرى بيع مال اليتيم من نفسه و لا شراء ماله لنفسه أصلا فكذلك الرهن و على قولهما : إن كان يجوز البيع و الشراء لكن إذا كان خيرا لليتيم و لا خير له في الرهن لأنه يهلك أبدا بالأقل من قيمته و من الدين فلم يكن فيه خير لليتيم فلم يجز .
و كذلك يجوز رهن مال الغير بإذنه كما لو استعار من إنسان شيئا ليرهنه بدين على المستعير لما ذكرنا أن الرهن إيفاء الدين و قضاؤه و الإنسان بسبيل من أن يقضي دين نفسه بمال غيره بإذنه ثم إذا أذن المالك بالرهن فإذنه بالرهن لا يخلو إما إن كان مطلقا و إما إن كان مقيدا فإن كان مطلقا فللمستعير أن يرهنه بالقليل و الكثير و بأي جنس شاء و في أي مكان كان و من أي إنسان أراد و لأن العمل بإطلاق اللفظ أصل .
و إن كان مقيدا بأن سمى قدرا أو جنسا أو مكانا أو إنسانا يتقيد به حتى لو أذن له أن يرهنه بعشرة لم يجز له أن يرهنه بأكثر منها و لا بأقل لأن المتصرف بإذن يتقيد تصرفه بقدر الإذن و الإذن لم يتناول الزيادة فلم يكن له أن يرهن بالأكثر و لا بالأقل أيضا لأن المرهون مضمون و المالك إنما جعله مضمونا بالقدر و قد يكون له في ذلك غرض صحيح فكان التقييد به مفيدا و كذلك لو أذن له أن يرهنه بجنس لم يجز له أن يرهنه بجنس آخر لأن قضاء الدين من بعض الأجناس قد يكون أيسر من بعض فكان التقييد بالجنس مفيدا و كذا إذا أذن له أن يرهنه بالكوفة لم يجز له أن يرهنه بالبصرة لأن التقييد بمكان دون مكان مفيد فيتقيد بالمكان المذكور .
و كذا إذا أذن له أن يرهنه من إنسان نعينه لم يجز له أن يرهنه من غيره لأن الناس متفاوتون في المعاملات فكان التعيين مفيدا فإن خالف في شيء مما ذكرنا فهو ضامن لقيمته إذا هلك لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه فصار غاصبا و للمالك أن يأخذ الرهن من يد المرتهن لأن الرهن لم يصح فبقي المرهون في يده بمنزلة المغصوب فكان له أن يأخذه منه و ليس لهذا المستعير أن ينتفع بالمرهون لا قبل الرهن و لا بعد الانفكاك فإن فعل ضمن لأنه لم يأذن له إلا بالرهن فإن انتفع به قبل أن يرهنه ثم رهنه بمثل قيمته برئ من الضمان حين رهن ذكره في [ الأصل ] لأنه لما انتفع به فقد خالف ثم لما رهنه فقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان كالمودع إذا عاد إلى الوفاق بعدما خالف في الوديعة بخلاف ما إذا استعار العين لينتفع بها فخالف ثم عاد إلى الوفاق أنه لا يبرأ عن الضمان لأن المستعير للانتفاع ليس يده يد المالك بل يد نفسه حيث تعود المنفعة إليه فلم تكن بالعود إلى الرفاق رادا للمال إلى يد المالك فلا يبرأ عن الضمان .
فأما المستعير للرهن فيده قبل الرهن يد المالك فإذا عاد إلى الوفاق فقد رد المال إلى يد المالك فيبرأ عن الضمان و إذا قبض المستعير العارية فهلك في يده قبل أن يرهنه فلا ضمان عليه لأنه هلك في قبض العارية لا في قبض الرهن و قبض العارية قبض أمانة لا قبض ضمان و كذلك إذا هلك في يده بعدما افتكه من يد المرتهن لأنه بالافتكاك من يد المرتهن عاد عارية فكان الهلاك في قبض العارية .
و لو وكل الراهن ـ يعني المستعير بقبض الرهن من المرتهن ـ أحدا فقبضه فهلك في يد القابض فإن كان القابض في عياله لم يضمن لأن يده كيده و المالك رضي بيده و إن لم يكن في عياله ضمن لأن يده ليست كيده فلم يكن المالك راضيا بيده و إن هلك في يد المرتهن و قد رهن على الوجه الذي أذن فيه ضمن الراهن للمعير قدر ما سقط عنه من الدين بهلاك الرهن لأنه قضى دين نفسه من مال الغير بإذنه بالرهن إذ الرهن قضاء الدين و يتعذر القضاء عند الهلاك .
و كذلك لو دخله عيب فسقط بعض الدين ضمن الراهن ذلك القدر لأنه قضى ذلك القدر من دينه بمال الغير فيضمن ذلك القدر فكان المستعير بمنزلة رجل عنده وديعة لإنسان فقضى دين نفسه بمال الوديعة بإذن صاحبها فما قضى يكون مضمونا عليه و ما لم يقض يكون أمانة في يده فإن عجز الراهن عن الإفتكاك فافتكه المالك لا يكون متبرعا و يرجع بجميع ما قضى على المستعير .
و ذكر الكرخي أنه يرجع بقدر ما كان يملك الدين به و لا يرجع بالزيادة عليه و يكون متبرعا فيها حتى لو كان المستعير رهن بألفين و قيمة الرهن ألف فقضى المالك ألفين فإنه يرجع على المستعير بألفين و على ما ذكره الكرخي يرجع عليه بألف .
وجه قول الكرخي : أن المضمون على المستعير قدر الدين بدليل أنه لا يضمن عند الهلاك إلا قدر الدين فإذا قضى المالك الزيادة على المقدر كان متبرعا فيها وجه القول الآخر أن المالك مضطر إلى قضاء كل الدين رهن به لأنه علق ماله عند المرتهن بحيث لا فكاك له إلا بقضاء كل الدين فكان مضطرا في قضاء الكل فكان مأذونا فيه من قبل الراهن دلالة كأنه و كله بقضاء دينه فقضاه المعير من مال نفسه و لو كان كذلك لرجع عليه بما قضى كذا هذا و ليس للمرتهن أن يمتنع من قبض الدين من المعير و يجبر على القبض و يسلم الرهن إليه لأن له ولاية قضاء الدين لتخلص ملكه و إزالة العلق عنه فلا يكون للمرتهن ولاية الامتناع من القبض و التسليم .
فإن اختلف الراهن و المعير و قد هلك الرهن فقال المعير : هلك في يد المرتهن و قال المستعير : هلك قبل أن أرهنه أو بعدما افتكيته فالقول قول الراهن مع يمينه لأن الضمان إنما وجب على المستعير لكونه قاضيا دين نفسه من مال الغير بإذنه و هو ينكر القضاء فكان القول قول المنكر و لا يجوز رهن المجهول و لا معجوز التسليم و نحو ذلك مما لا يجوز بيعه و الأصل فيه أن كل ما لا يجوز رهنه و قد ذكرنا جملة ذلك في كتاب البيوع .
و منها : أن يكون مقبوض المرتهن أو من يقوم مقامه و الكلام في القبض في مواضع : في بيان أنه شرط جواز الرهن و في بيان شرائط صحته و في تفسير القبض و ماهيته و في بيان أنواعه .
أما الأول : فقد اختلف العلماء فيه قال عامة العلماء : إنه شرط و قياس قول زفر C في الهبة أن يكون ركنا كالقبول حتى إن من حلف لا يرهن فلانا شيئا فرهنه و لم يقبضه يحنث عندنا و عنده لا يحنث كما في الهبة و الصحيح قولنا لقول الله تبارك و تعالى : { فرهان مقبوضة } و لو كان القبض ركنا لصار مذكورا بذكر الرهن فلم يكن لقوله تعالى عز شأنه : { مقبوضة } معنى فدل ذكر القبض مقرونا بذكر الرهن على أنه شرط و ليس بركن .
و قال مالك C : ليس بركن و لا شرط و الصحيح قول العامة لقوله تبارك و تعالى : { فرهان مقبوضة } وصف سبحانه و تعالى الرهن بكونه مقبوضا فيقتضي أن يكون القبض فيه شرطا صيانة لخبره تعالى عن الخلف و لأنه عقد تبرع للحال فلا يفيد الحكم بنفسه كسائر التبرعات .
و لو تعاقدا على أن يكون الرهن في يد صاحبه لا يجوز الرهن حتى لو هلك في يده لا يسقط الدين .
و لو أراد المرتهن أن يقبضه من يده ليحبسه رهنا ليس له ذلك لأن هذا شرط فاسد أدخلاه في الرهن فلم يصح الرهن و لو تعاقدا على أن يكون في يد العدل و قبضه العدل جاز و يكون قبض كقبض المرتهن و هذا قول العامة .
و قال ابن أبي ليلى : لا يصح الرهن إلا بقبض المرتهن و الصحيح قول العامة لقوله تبارك و تعالى : { فرهان مقبوضة } من غير فصل بين قبض المرتهن و العدل و لأن قبض العدل برضا المرتهن قبض المرتهن معنى و لو قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون الرهن في يد عدل آخر و وضعاه في يد جاز لأنه جاز وضعه في يد الأول لتراضيهما فيجوز وضعه في يد الثاني بتراضيهما و كذا إذا قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد المرتهن و وضعاه في يده لأنه جاز وضعه في يده في الابتداء فكذا في الا نتهاء و كذا إذا قبضه المرتهن أو العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد الراهن و وضعه في يده جاز لأن القبض الصحيح للعقد قد وجد وقد خرج الرهن من يده فبعد ذلك يده و يد الأجنبي سواء .
و لو رهن رهنا و سلط عدلا على بيعه عند المحل فلم يقبض حتى حل الأجل فالرهن باطل لأن صحته بالقبض و البيع صحيح لأن صحة التوكيل لا تقف صحته على القبض فصح البيع و إن لم يصح الرهن و كذلك لو رهن مشاعا و سلطه على بيعه فالرهن باطل و الوكالة صحيحة لما ذكرنا و لو جعل عدلا في الإمساك و عدلا في البيع جاز لأن كل واحد منهما أمر مقصود فيصح إفراده بالتوكيل .
و أما بيان شرائط صحته فأنواع : منها أن يكون بإذن الراهن لما ذكرنا في الهبة أن الإذن بالقبض شرط صحته فيما له صحة بدون القبض و هو البيع فلأن يكون شرطا فيما لا صحة له بدون القبض أولى و لأن القبض في هذا الباب يشبه الركن كما في الهبة فيشبه القبول و ذا لا يجوز من غير رضا الراهن كذا هذا .
ثم نقول الإذن نوعان : نص و ما يجري مجرى النص و دلالة فالأول نحو أن يقول : أذنت له بالقبض أو رضيت به أو أقبض و ما يجري هذا المجرى فيجوز هذا المجرى فيجوز قبضه سواء قبض في المجلس أو بعد الافتراق استحسانا و قياس قول زفر في الهبة أن لا يجوز بعد الافتراق .
و الثاني : نحو أن يقبض المرتهن بحضرة الراهن فيسكت و لا ينهاه فيصح قبضه استحسانا و قياس قول زفر في الهبة أن لا يصح كما لا يصح بعد الافتراق لأن القبض عنده ركن بمنزلة القبول فلا يجوز من غير إذن كالقبول و صار كالبيع الصحيح بل أولى لأن القبض ليس بشرط لصحته و إنه لصحة الرهن .
وجه الاستحسان : أنه وجد الإذن ههنا دلالة الإقدام على إيجاب الرهن لأن ذلك دلالة القصد إلى إيجاب حكمه و لا ثبوت لحكمه إلا بالقبض و لا صحة للقبض بدون الإذن فكان الإقدام على الإيجاب دلالة الإذن بالقبض و الإقدام دلالة الإذن بالقبض في المجلس لا بعد الافتراق فلم يوجد الإذن هناك نصا و دلالة بخلاف البيع لأن البيع الصحيح بدون القبض فلم يكن الإقدام على إيجابه دليل القبض فلا يكون دليل الإذن فهو الفرق .
و لو رهن شيئا متصلا بما لم يقع عليه الرهن كالثمر المعلق على الشجر و نحوه مما لا يجوز الرهن فيه إلا بالفصل و القبض ففصل و قبض فإن قبض بغير إذن الراهن لم يجز قبضه سواء كان الفصل و القبض في المجلس أو في غيره لأن الإيجاب ههنا لم يقع صحيحا فلا يستدل به على الإذن بالقبض و إن قبض بإذنه فالقياس أن لا يجوز و هو قول زفر و في الاستحسان جائز بناء على أصل ذكرناه في الهبة و الله الموفق .
و منها : الحيازة عندنا فلا يصح قبض المشاع .
و عند الشافعي C : ليس بشرط و قبض المشاع صحيح .
وجه قوله : أن الشياع لا يقدح في حكم الرهن و لا في شرطه فلا يمنع جواز الرهن و دلالة ذلك أن حكم الرهن عنده كون المرتهن أحق ببيع المرهون و استيفاء الدين من بدله على ما نذكر و الشيوع لا يمنع جواز البيع و شرطه هو القبض و أنه ممكن في النصف الشائع بتخلية الكل .
و لنا : أن قبض النصف الشائع وحده لا يتصور و النصف الآخر ليس بمرهون فلا يصح قبضه و سواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها لأن الشيوع يمنع تحقق قبض الشائع في النوعين جميعا بخلاف الهبة فإن الشيوع فيها لا يمنع الجواز فيما لا يحتمل القسمة لأن المانع هناك ضمان القسمة على ما ذكرنا في كتاب الهبة و أنه يخص المقسوم و سواء رهن من أجنبي أو من شريكه على ما نذكر إن شاء الله تعالى و سواء كان مقارنا للعقد أو طرأ في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف : أن الشيوع الطارئ على العقد لا يمنع بقاء العقد على الصحة صورته إذا رهن شيئا و سلط المرتهن أو العدل على بيعه كيف شاء مجتمعنا أو متفرقا فباع نصفه شائعا أو استحق بعض الرهن شائعا .
وجه رواية أبي يوسف : أن حال البقاء لا يقاس على حال الابتداء لأن البقاء أسهل من حكم الابتداء لهذا فرق الشرع بين الطارئ و المقارن في كثير من الأحكام كالعدة الطارئة و الإباق الطارئ و نحو ذلك فكون الحيازة شرطا في ابتداء العقد لا يدل على كونها شرط البقاء على الصحة .
وجه ظاهر الرواية : أن المانع في المقارن كون الشيوع مانعا عن تحقق القبض في النصف الشائع و هذا المعنى موجود في الطارئ فيمنع البقاء على الصحة و لو رهن رجلان رجلا عبدا بدين له عليهما رهنا واحدا جاز و كان كله رهنا بكل الدين حتى إن المرتهن له أن يمسكه حتى يستوفي كل الدين و إذا قضى أحدهما دينه لم يكن له أن يأخذ نصيبه من الرهن لأن كل واحد منهما رهن كل العبد بما عليه من الدين لا نصفه و إن كان المملوك منه لكل واحد منهما النصف لما ذكرنا أن كون المرهون مملوك الراهن ليس بشرط لصحة الرهن فإنه يجوز رهن مال الغير بإذنه لما بينا و إقدامهما على رهنه صفقة واحدة دلالة الإذن من كل واحد منهما فصار كل العبد رهنا بكل الدين و لا استحالة في ذلك لأن الرهن حبس و ليس يمتنع أن يكون العبد الواحد محبوسا بكل الدين فلم يكن هذا رهن الشائع فجاز و ليس لأحدهما أن يأخذ نصيبه من العبد إذا قضى ما عليه من الدين لأن كله مرهون بكل الدين فما بقي شيء من الدين بقي استحقاق الحبس .
و كذلك إذا رهن رجل رجلين بدين لهما عليه و هما شريكان فيه أو لا شركة بينهما جاز و إذا قضى الراهن دين أحدهما لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن لأنه رهن كل العبد بدين كل واحد منهما و كل العبد يصلح رهنا بدين كل واحد منهما على الكمال كأن ليس معه غيره لما ذكرنا و هذا بخلاف الهبة من رجلين على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة أنها غير جائزة لأن الهبة تمليك و تمليك شيء واحد من اثنين من كل واحد منهما على الكمال محال و العاقل لا يقصد بتصرفه المحال